للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الحياء ما لا يعلمه إلا الله - عز وجل -، وقلت: جاء الخلق على صاع من شعير، وعناق، فدخلت على امرأتي، أقول: افتَضَحتِ، جاءك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق أجمعين، فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم، فقالت: الله ورسوله أعلم، ونحن قد أخبرناه بما عندنا، فكَشَفتْ عني غمًّا شديدًا".

قال في "الفتح": ويُجمع بين هذا، وبين قوله: "فقالت: بك وبك" بأنها أوصته أوّلًا بأن يُعلمه بالصورة، فلما قال لها: إنه جاء بالجميع ظنت أنه لم يُعلمه، فخاصمته، فلما أعلمها أنه أعلمه سَكَن ما عندها؛ لِعِلْمها بإمكان خرق العادة، ودلّ ذلك على وفور عقلها، وكمال فضلها.

وقد وقع لها مع جابر في قصة التمر أن جابرًا أوصاها لمّا زارهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا تكلمه، فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الانصراف نادته: يا رسول الله صَلِّ عليّ، وعلى زوجي، فقال: "صلى الله عليك، وعلى زوجك" فعاتبها جابر، فقالت له: أكنت تظن أن الله يورد رسوله - صلى الله عليه وسلم - بيتي، ثم يخرج، ولا أسأله الدعاء؟ أخرجه أحمد بإسناد حسن، في حديث طويل. انتهى (١).

٦ - (ومنها): أن البخاريّ - رحمه الله - استنبط من الحديث جواز التكلّم بغير العربيّة لمن يطيقها، فقال: "باب من تكلّم بالفارسيّة، والرَّطانة"، وقول الله - عز وجل -: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: ٢٢]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤].

و"الرطانة بكسر الراء، وفتحها: كلام غير عربيّ، وكأن البخاريّ أشار بالآية الثانية أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعرف الألسنة كلها؛ لأنه أُرسل إلى الأمم كلّها على اختلاف ألسنتهم، فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته، فاقتضى أن يعرف ألسنتهم؛ ليَفهم عنهم، ويفهموا عنه، وَيحْتَمل أن يقال: لا يستلزم ذلك نُطقه بجميع الألسنة؛ لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم، قاله في "الفتح" (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن الاحتمال الثاني غير ظاهر، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.


(١) "الفتح" ٩/ ١٩١، كتاب "المغازي" رقم (٤١٠١).
(٢) "الفتح" ٧/ ٣٢٤، كتاب "الجهاد" رقم (٣٠٧٠).