للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخرج ابن عديّ بسند ضعيف: "زجر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل".

قال مالك: هو نوع من الاتكاء، قال الحافظ: وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يُعَدّ الآكل فيه متكئًا، ولا يختص بصفة بعينها.

وجزم ابن الجوزيّ في تفسير الاتكاء بأنه الميل على أحد الشقين، ولم يلتفت لإنكار الخطابيّ ذلك.

وحَكَى ابن الأثير في "النهاية" أن من فسَّر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوّله على مذهب الطبّ بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا، ولا يُسيغه هنيئًا، وربما تأذى به.

واختلف السلف في حكم الأكل متكئًا، فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية، وتعقّبه البيهقيّ، فقال: قد يُكره لغيره أيضًا؛ لأنه من فِعل المتعظمين، وأصله مأخوذ من ملوك العجم، قال: فإن كان بالمرء مانع لا يَتمكَّن معه من الأكل إلا متكئًا لم يكن في ذلك كراهة، ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك، وأشار إلى حَمْل ذلك عنهم على الضرورة، وفي الحمل نَظَر.

وقد أخرج ابن أبي شيبة، عن ابن عباس، وخالد بن الوليد، وعَبيدة السَّلْمانيّ، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن يسار، والزهريّ جواز ذلك مطلقًا.

وإذا ثبت كونه مكروهًا، أو خلاف الأَولى، فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيًا على ركبتيه، وظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى، ويجلس على اليسرى.

واستثنى الغزاليّ من كراهة الأكل مضطجعًا أكل البقل، واختُلف في علة الكراهة، وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعيّ قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءةً مخافة أن تعظم بطونهم، وإلى ذلك يشير بقية ما ورد فيه من الأخبار، فهو المعتمد، ووجه الكراهة فيه ظاهر، وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطبّ. انتهى (١).


(١) "الفتح" ١٢/ ٣١٩ - ٣٢١، كتاب "الأطعمة" رقم (٥٣٩٨).