للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ - رحمه الله -: وهذا الذي قاله هؤلاء في هذا الإسناد، قد يقال: لا ينبغي أن يوافقوا عليه؛ لأنه يَحْتَمِلُ أن سفيان سمعه من الزهريّ مرًّة، وسمعه من معمر، عن الزهريّ مرًّة، فرواه على الوجهين، فلا يقدح أحدهما في الآخر، ولكن انضمت أمورٌ اقتَضَت ما ذكروه، منها: أن سفيان مُدَلِّسٌ، وقد قال: "عن".

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الوجه مما لا يخفى ضعفه؛ لأنه وإن وُصف بالتدليس، لكنه لا يُدلّس إلا عن تقة، حتى ادّعى ابن حبّان بأن ذلك خاصّ به، وإنما القدح الصحيح هو مخالفته جماهير الرواة، كما بيّنه بقوله: ومنها: أن أكثر أصحابه رووه عن معمر، وقد يجاب عن هذا بما قدمناه، من أن مسلمًا - رحمه الله - لا يروي عن مُدَلّسٍ قال: "عن" إلا أن يثبت أنه سمعه ممن عَنْعَنَ عنه، وكيف كان فهذا الكلام في الإسناد لا يُؤثِّر في المتن، فإنه صحيح على كل تقدير مُتَّصِلٌ، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).

وقال في "الفتح": ورواه مسلم عن محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، ووقع فيه وَهَمٌ منه، أو من شيخه؛ لأن معظم الروايات في الجوامع، والمسانيد، عن ابن عيينة، عن معمر، عن الزهريّ بزيادة معمر بينهما، وكذا حدّث به ابن أبي عمر، شيخُ مسلم في "مسنده" عن ابن عيينة، وكذا أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه" من طريقه.

وزعم أبو مسعود في "الأطراف" أن الوَهَم من ابن أبي عمر، وهو محتمل لأن يكون الوهم صدر منه لَمّا حَدّث به مسلمًا، لكن لم يتعين الوهم في جهته.

وحمله الشيخ محيي الدين على أن ابن عيينة حَدّث به مرَّةً بإسقاط معمر، ومرًّة بإثباته، وفيه بُعْدٌ؛ لأن الروايات قد تضافرت عن ابن عيينة بإثبات معمر، ولم يوجد بإسقاطه إلا عند مسلم، والموجود في مسند شيخه بلا إسقاط، كما قدمناه، وقد أوضحت ذلك بدلائله في كتابي "تغليق التعليق". انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ما عزاه إلى النوويّ من حمله على المرتين، فيه


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٨٢.
(٢) "الفتح" ١/ ١٠٢ - ١٠٣.