للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ رحمه الله: قد علل الجمهور النهي عن القران بعلتين:

إحداهما: أن ذلك يدلّ على كثرة الشَّرَه، والنَّهم، وبهذا علَّلته عائشة -رضي الله عنهما- حيث قالت: إنها نَذَالة (١).

وثانيتهما: إيثار الإنسان نفسه بأكثر من حقّه على مشاركه، وحكمهم في ذلك التساوي. انتهى (٢).

وقوله: (حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ) قال الخطابيّ: إن ذلك النهي إنما كان في زمنهم؛ لِمَا كانوا عليه من الضيق والمواساة، فأمَّا اليوم فلا يحتاجون إلى الاستئمار.

وتعقّبه القرطبيّ، فقال: وهذا فيه نظر، وذلك أن الطعام إذا قُدِّم إلى قوم فقد تشاركوا فيه، وإذا كان كذلك، فليأكل كل واحد منهم على الوجه المعتاد، على ما تقتضيه المروءة، والنَّصَفَة من غير أن يقصد اغتنام زيادة على الآخر، فإنْ فعل، وكان الطعام شَرِكَةً بحُكم المُلك؛ فقد أخذ ما ليس له، وإن كان إنما قدَّمه لهم غيرهم، فقد اختَلَف العلماء فيما يملكون منه، فإنَّ قلنا: إنهم يملكونه بوضعه بين أيديهم؛ فكالأول، وإن قلنا: إنهم إنما يملك كل واحد منهم ما رفع إلى فيه؛ فهذا سوء أدب، وشَرَه، ودناءة، فعلى الوجه الأول يكون محرَّمًا، وعلى الثاني مكروهًا؛ لأنَّه يناقض مكارم الأخلاق، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، والمسائل المتعلّقة به قبل حديث، ولله الحمد والمنّة.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) يقال: نَذُلَ بالضمّ نَذَالةً: سَقَطَ في دِيْن، أو حَسَب، فهو نَذْلٌ، ونذيل؛ أي: خسيس. "المصباح" ٢/ ٥٩٩.
(٢) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣١٩.
(٣) "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" ٥/ ٣١٩.