للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وروى العسكريّ في "المواعظ" عن عمر - رضي الله عنه - مرفوعًا: "كُلُوا، ولا تَفَرَّقُوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، كُلوا جميعًا، ولا تفرقوا، فإن البركة في الجماعة"، فيؤخذ من هذا أن الشرط الاجتماع على الأكل، وأن معنى الحديث: طعام الاثنين إذا كانا مُتفَرِّقَيْنِ كافي الثلاثة إذا أكلوا مُجْتَمِعين، ذكره الزرقانيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).

وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هكذا جاء هذا الحديث في "الموطأ" وغيره من حديث أبي الزناد، بهذا الإسناد، وقد رَوَى أبو الزبير عن جابر ما هو أعمّ من هذا، ثم أخرج بسنده عن ابن جريجٍ، قال: أخبرنا أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية".

قال: فأما الكفاية والاكتفاء فليس بالشِّبَع والاستغناء، ألا ترى إلى قول أبي حازم - رَحِمَهُ اللهُ -: إذا كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس في الدنيا شيء يغنيك، ومن هذا الحديث - والله أعلم - أخذ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فِعْله عام الرَّمادة حين كان يُدخل على أهل كلّ بيت مثلهم، ويقول: لن يهلك امرؤ عن نصف قُوتِه. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": نُقل عن إسحاق بن راهويه، عن جرير قال: معنى الحديث أن الطعام الذي يُشبع الواحد يكفي قُوْت الاثنين، ويشبع الاثنين قوت الأربعة، وقال المهلَّب: المراد بهذه الأحاديث الحضّ على المكارم، والتقنع بالكفاية، يعني وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية، وإنما المراد المواساة، وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما، وإدخال رابع أيضًا بحسب من يحضر، وقد وقع في حديث عمر عند ابن ماجة بلفظ: "إن طعام الواحد يكفي الاثنين، وإِن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة"، ووقع في حديث عبد الرَّحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر - رضي الله عنهما - المذكور في الباب الماضي: "فقال النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من كان عنده طعام


(١) "شرح الزرقاني على الموطّأ" ٤/ ٣٧٩ - ٣٨١.
(٢) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٩/ ٢٥.