للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"للنار باب لا يدخلها منه إلَّا من شفا غيظه بسخط الله تعالى"، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سَلّ سيفه على أمتي"، فهذه للرغبة، والأول للغضب، فابن آدم مبني على هذه الأخلاق السبعة، فإذا ولج الإيمان القلب نفى هذه السبعة من القلب، فبقدر قوّة الإيمان تذوب هذه الأخلاق من النفس، وعلى قدر ضَعفه يبقى ضررهنّ، فإذا اكتمل النور، وامتلأ القلب منه لَمْ يبق لهذه الأخلاق فيه موضع، فنفى الشرك، والشك، والغفلة أصلًا، وصار بدل الشرك إخلاصًا، وبدل الشك يقينًا، وبدل الغفلة انتباهًا، وكشف غطاء معاينة، وصار الغضب له، وفي ذاته، وصارت الرغبة إليه، والرهبة منه، وصارت الشهوة مُنْيَة، وكانت نهمة، وبقدر ضعف الإيمان، وسقمه يبقى من هذه الأخلاق في المؤمن، فبقي منه شرك الأسباب، وشك الأرزاق، وغفلة التدبير في كُنْه الأمور، والرغبة، والطمع في الخلق، والرهبة منهم في المضارّ والمنافع، واستعمال الشهوات على النهمة، فإيمانه يقتضيه ما عقد في توحيده لربه أن هذه الأشياء كلها منه، وله، وأخلاقه تمنعه الوفاء بذلك عند نوائبه، فلذلك يبقى في عرصة القيامة محاسبًا في مدة طويلة، والآخر كَمُل إيمانه، فامتلأ قلبه من نور الإيمان، فصار كما وصفنا بدءًا، فسقط عنه الحساب غدًا.

فابن أدم يأكل في مِعًى واحد أعني الخِلقة، إلَّا أن هذه الأخلاق السبعة سوى الغضب قد عملت على قلبه، فصار كأنه يأكل في سبعة أمعاء، فإذا آمن، فامتلأ قلبه من نور الإيمان سكنت هذه الأخلاق، فشبع، ورَوِي؛ لأنه قد ثقل قلبه بما وَلَج فيه من الإيمان، فإذا آمن، فإنما يأكل بمعاه الذي خُلق فيه، وكلما كان أوفر حظًّا من إيمانه، كان أقلّ لطعمه بهذا المعى الواحد أيضًا، وإذا كان كافرًا فهذه الأخلاق الستة تعمل على قلبه حتى يصير كأنه يأكل في سبعة أمعاء؛ لأنَّ الشرك، والشكّ، والغفلة، والشهوة، والرغبة، والرهبة، هي أعوان لحرصه، فإذا حَرَص لَمْ يشبع، واحتاج إلى الكثير، والذي سكنت عنه هذه الستة الأخلاق بولوج الإيمان قلبه ذاب الحرص في جوفه، وثقل الإيمان في قلبه، فأكل بمعاه الذي خُلق للآدميين، فاكتفى بذلك. انتهى (١)، وقد تقدّم


(١) "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" ١/ ٢٩.