والباقون تقدّموا في البابين الماضيين، و"جرير" هو: ابن عبد الحميد.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة - رضي الله عنه - رأس المكثرين السبعة.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - أنه (قَالَ: مَا عَابَ)؛ أي: ما تنقّص (رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
طَعَامًا قَطُّ)؛ أي: طعامًا مباحًا، أما الحرام فكان يعيبه، ويذُمّه، وينهى عنه، وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الْخِلْقة كُرِهَ، وإن كان من جهة الصَّنْعة لَمْ يُكرَه، قال: لأنَّ صنعة الله لا تُعاب، وصنعة الآدميين تعاب.
والذي يظهر - كما قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع، قال النوويّ: من آداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب؛ كقوله: مالحٌ، حامضٌ، قليل الملح، غليظٌ، رقيقٌ، غير ناضج، ونحو ذلك. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: والذي يظهر لي أن ما قاله النوويّ ليس على إطلاقه، فإنه إن كان لتنبيه خادمه أو أهل بيته على أنْ لا يصنعوا مثله، فهو جائز دون كراهة؛ لأنَّ هذا من باب التعليم لهم، والتدريب على الصنعة، وإن كان نزل ضيفًا، أو دخل على بعض أصدقائه، فقرّبوا له طعامًا، فلا ينبغي له أن يقول ما سبق؛ فإن فيه كسر قلب المضيف، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(كَانَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إِذَا اشْتَهَى شَيْئًا)؛ أي: أَكْل شيء (أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ) هذا مثلُ ما وقع له - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الضبّ، ووقع في رواية أبي يحيى التالية:"وإن لَمْ يشتهه سكت"؛ أي: عن عيبه، قال ابن بطال: هذا من حُسن الأدب؛ لأنَّ المرء قد لا يشتهي الشيء، ويشتهيه غيره، وكلُّ مأذون في أكْله من قِبَل الشرع ليس فيه عيب. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.