للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نفسي"؛ لأن ذاك إخبار بعدم رغبته في أكله، لا عيب في نفس الضبّ، فإنه من جملة نِعَم الله تعالى التي تستحقّ التعظيم والشكر لخالقها، ولذا أمر - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد بأكلها.

٤ - (ومنها): أن هذا أيضًا لا ينافي الإنكار على من أساء في صنعة الطعام من الخدم، والأهل، فإن تعليمهم، وتنبيههم على أخطائهم؛ لئلا يقعوا في مثله فيما يُستقبَل مشروع، وممدوح لا ممنوع، ولا مذموم.

قال بعضهم: الذي يظهر أن عيب الطعام إن كان من أجل خِلْقته، فهو حرامٌ؛ لكونه عيبًا لِخَلْق الله - سبحانه الله وتعالى -، وإن كان من أجل سوء صُنعته، فمكروه إن كان المقصود منه تحقير الطعام، أو الكفر بالنعمة، أو تحقير الصانع، وأما إذا كان لأجل النصح للصانع حتى يتنبّه على ما أخطأ في صنعته، فيجتنب فيما يُستقبل، فالظاهر أنه ليس من العيب الممنوع إذا كان برفق، لا يكسر به قلب الصانع من غير ضرورة، وكذلك إذا كان إخبارًا عن كراهية طبيعيّة في قلب الطاعم، كما مرّ من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تعافه نفسي" في الضبّ (١).

وأخرج الترمذيّ في "الشمائل" حديثًا لهند بن أبي هالة - رضي الله عنه - بسند فيه ضَعف، وَصَفَ فيه هند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: "يعظم النعمة، وإن دقّت، غير أنه لم يكن يذمّ ذواقًا، ولا يمدحه".

قال الشيخ علي القاري - رحمه الله - (٢): أما نفي الذمّ فلكونه نعمةً أيّ نعمة، وذمّ النعمة كفران، وشعار للمتكبّرين والجبابرة، وأما نفي مدحه فلكونه يُشعر بالحرص والشَّرَه، ولعلّ المدح هنا هو ما كان منشؤه الحرص والشّرَهَ، أما إذا كان شكرًا لله تعالى، أو تشجيعًا لصانعه، وشكرًا لحسن صنعته، فالظاهر أنه ليس بمكروه، ويدلّ عليه ما أخرجه مسلم، والترمذيّ في قصّة ضيافة أبي الهيثم بن التّيّهان - رضي الله عنه - من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "لتسئلنّ عن هذا النعيم يوم القيامة، ظل باردٌ، ورُطَبٌ طيّبٌ، وماءٌ باردٌ"، وقد تقدّمت القصّة في "باب جواز استتباعه غيره … إلخ"، فراجعها، وبالله تعالى التوفيق.


(١) راجع: "تكملة فتح الملهم"٤/ ٨٥.
(٢) راجع: "جمع الوسائل في شرح الشمائل" لعليّ القاري - رحمه الله - ٢/ ١٣.