الشافعي في القديم يدلّ على أنه أراد أن نفس الذهب والفضة الذي اتُّخِذ منه الإناء ليست حرامًا، ولهذا لم يَحْرُم الحليّ على المرأة، هذا كلام صاحب "التقريب"، وهو من متقدِّمي أصحابنا، وهو أتقنُهم لِنَقْل نصوص الشافعيّ، ولأن الشافعيّ رجع عن هذا القديم، والصحيح عند أصحابنا وغيرهم من الأصوليين أن المجتهد إذا قال قولًا، ثم رجع عنه لا يبقى قولًا له، ولا يُنسب إليه، قالوا: وإنما يُذكر القديم، وينسب إلى الشافعيّ مجازًا، وباِسْم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن، فحصل مما ذكرناه أن الإجماع منعقد على تحريم استعمال إناء الذهب، وإناء الفضة في الأكل، والشرب، والطهارة، والأكلِ بمعلقة من أحدهما، والتجمّرِ بمجمرة منهما، والبول في الإناء منهما، وجميع وجوه الاستعمال، ومنها المكحلة، والمِيْل، وطرف العالية، وغير ذلك، سواءٌ الإناء الصغير والكبير، ويستوي في التحريم الرجل والمرأة، بلا خلاف، وإنما فُرِّق بين الرجل والمرأة في التحلي؛ لِمَا يُقصد منها من التزيّن للزوج والسيد، قال أصحابنا: ويحرم استعمال ماء الورد، والأدهان من قارورة الذهب والفضة، قالوا: فإن ابتلي بطعام في إناء ذهب أو فضة، فيُخرج الطعام إلى إناء آخر من غيرهما، ويأكل منه، فإن لم يكن إناء آخر فليجعله على رغيف، إن أمكن، وإن ابتلي بالدهن في قارورة فضة، فليصبّه في يده اليسرى، ثم يصبه من اليسرى في اليمين، ويستعمله.
قال أصحابنا: ويحرم تزيين الحوانيت، والبيوت، والمجالس بأواني الفضة والذهب، هذا هو الصواب، وجوّزه بعض أصحابنا، قالوا: وهو غلط، قال الشافعيّ، والأصحاب: لو توضأ، أو اغتسل من إناء ذهب أو فضة عصى بالفعل، وصحّ وضوءه وغُسله، قال: هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والعلماء كافّة، إلا داود، فقال: لا يصحّ، والصواب الصحة، وكذا لو أكل منه، أو شرب عصى بالفعل، ولا يكون المأكول، والمشروب حرامًا، هذا كله في حال الاختبار، وأما إذا اضطر إلى استعمال إناء فلم يجد إلا ذهبًا، أو فضةً، فله استعماله في حال الضرورة، بلا خلاف، صَرَّح به أصحابنا، قالوا: كما تُباح الميتة في حال الضرورة، قال أصحابنا: ولو باع هذا الإناء صح بيعه؛ لأنه عين طاهرة، يمكن الانتفاع بها بأن تُسْبَك، وأما اتخاذ هذه الأواني