للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من سمع أن من فعل ذلك كان غير مُتَّقٍ فَهِمَ منه أنه لا يفعله إلا المستخفّ، فيأنف من فعل ذلك؛ لئلا يوصف بأنه غير مُتّقٍ (١).

وقال ابن بطال رَحِمَهُ اللهُ: يمكن أن يكون نَزَعه لكونه كان حريرًا صِرْفًا، ويمكن أن يكون نَزَعه لأنه من جنس لباس الأعاجم، وقد ورد حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، رفعه: "مَن تَشَبّه بقوم فهو منهم" (٢)، أخرجه أبو داود بسند حسن.

قال الحافظ رَحِمَهُ اللهُ: وهذا التردد مبنيّ على تفسير المراد بالمتقين، فإن كان المراد به مطلق المؤمن حُمل على الأول، وإن كان المراد به قدرًا زائدًا على ذلك حُمل على الثاني، والله أعلم.

وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة رَحِمَهُ اللهُ: اسم التقوى يعمّ جميع المؤمنين، لكن الناس فيه على درجات، قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية [المائدة: ٩٣]، فكل من دخل في الإسلام فقد اتقى؛ أي: وَقَى نفسه من الخلود في النار، وهذا مقام العموم، وأما مقام الخصوص فهو مقام الإحسان، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أن تعبد الله كأنك تراه". انتهى (٣).

وقد رَجّح عياض أن المنع فيه لكونه حريرًا، واستَدَلّ لذلك بحديث جابر الذي تقدّم عند مسلم قبل ستّة أحاديث، وهذه القصّة - كما قال الحافظ - كانت مبتدأ تحريم لبس الحرير، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: زاد البخاريّ رَحِمَهُ اللهُ بعد إخراجه هذا الحديث بسند مسلم ما نصّه: "تابعه عبد الله بن يوسف، عن الليث، وقال غيره - يعني: بسنده -: فروج حرير".

قال في "الفتح": أما رواية عبد الله بن يوسف فوصلها البخاريّ: في أوائل "الصلاة"، وأما رواية غيره فوصلها أحمد عن حجاج بن محمد، وهاشم، وهو أبو النضر، ومسلم، والنسائيّ، عن قتيبة، والحارث، عن يونس بن محمد المؤدّب، كلهم عن الليث.


(١) "الفتح" ١٣/ ٢٧٩، كتاب "اللباس" رقم (٥٨٠١).
(٢) "شرح صحيح البخاريّ" لابن بطّال ٩/ ٨٨.
(٣) "بهجة النفوس" ٤/ ١٣٦.