فَلَبِسُوهُ)؛ أي: الخاتم، (فَطَرَحَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - خَاتَمَة، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِمَهُمْ) وفي بعض النُّسخ: "خواتيمهم" بالياء بعد التاء في الموضعين، قال القاضي عياض رحمه الله: قال جميع أهل الحديث: هذا وَهَم من ابن شهاب، فوَهِم مِن خاتم الذهب إلى خاتم الورق، والمعروف من روايات أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - خاتم فضّة، ولم يطرحه، وإنما طرح خاتم الذهب، كما ذكره مسلم في باقي الأحاديث.
ومنهم من تأول حديث ابن شهاب، وجَمَع بينه وبين الروايات، فقال: لمّا أراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحريم خاتم الذهب اتخذ خاتم فضة، فلما لبس خاتم الفضة أراه الناس في ذلك اليوم؛ ليُعلمهم إباحته، ثم طرح خاتم الذهب، وأعْلَمَهم تحريمه، فطرح الناس خواتيمهم من الذهب، فيكون قوله:"فطرح الناس خواتمهم"؛ أي: خواتم الذهب، قال النوويّ: وهذا التأويل هو الصحيح، وليس في الحديث ما يمنعه، وأما قوله:"فصنع الناس الخواتم من الورق، فلبسوه - ثم قال -: فطرح خاتمه، فطرحوا خواتمهم"، فيَحْتَمِل أنهم لمّا علموا أنه - صلى الله عليه وسلم - يصطنع لنفسه خاتم فضة اصطنعوا لأنفسهم خواتيم فضة، وبقيت معهم خواتيم الذهب كما بقي مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى أن طَرَح خاتم الذهب، واستبدلوا الفضة، والله أعلم. انتهى.
وقال في "الفتح": هكذا رَوَى الحديث الزهريُّ، عن أنس، واتفق الشيخان على تخريجه من طريقه، ونُسب فيه إلى الغلط؛ لأن المعروف أن الخاتم الذي طرحه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بسبب اتخاذ الناس مثله، إنما هو خاتم الذهب، كما صرّح به في حديث ابن عمر، قال النوويّ، تبعًا لعياض: قال جميع أهل الحديث: هذا وَهَمٌ من ابن شهاب؛ لأن المطروح ما كان إلا خاتم الذهب، ومنهم من تأوله كما سيأتي.
قال الحافظ: وحاصل الأجوبة ثلاثة:
[أحدها]: قاله الإسماعيليّ، فإنه قال - بعد أن ساقه -: إن كان هذا الخبر محفوظًا، فينبغي أن يكون تأويله: أنه اتخذ خاتمًا من ورق، على لون من الألوان، وكره أن يَتَّخذ غيره مثله، فلما اتخذوه رمى به، حتى رموا به، ثم اتخذ بعد ذلك ما اتخذه، ونقش عليه ما نقش؛ ليختم به.