للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قال العلماء: أحاديث النهي عن الاستلقاء، رافعًا إحدى رجليه على الأخرى محمولة على حالة تظهر فيها العورة، أو شيء منها، وأما فِعْله - صلى الله عليه وسلم - فكان على وَجْه لا يظهر منها شيء، وهذا لا بأس به، ولا كراهة فيه على هذه الصفة، وفي هذا الحديث جواز الاتكاء في المسجد، والاستلقاء فيه، قال القاضي عياض: لعله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا لضرورة، أو حاجة، من تعب، أو طلب راحة، أو نحو ذلك، قال: وإلا فقد عُلم أن جلوسه - صلى الله عليه وسلم - في المجامع على خلاف هذا، بل كان يجلس متربعًا، أو محتبيًا، وهو كان أكثر جلوسه، أو القرفصاء، أو مُقعِيًا، وشِبْهها من جلسات الوقار، والتواضع.

قال النوويّ: ويَحْتَمِل أنه - صلى الله عليه وسلم - فَعَله لبيان الجواز، وأنكم إذا أردتم الاستلقاء فليكن هكذا، وأن النهي الذي نهيتكم عن الاستلقاء ليس هو على الإطلاق، بل المراد به من ينكشف شيء من عورته، أو يقارب انكشافها، والله أعلم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قد قال بكراهة هذه الحالة مطلقًا فقهاء الشام، وكأنهم لم يبلغهم فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهذه الحالة، أو تأوّلوها، والأَوْلى الجمع بين الحديثين، فيُحمل النهي على ما إذا لم يكن على عورته شيء يسترها، ويُحمل فعل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لها على أنه كان مستور العورة، ولا شكّ أنها استلقاء استراحة إذا كان مستور العورة، وقد أجازها مالك وغيره لذلك. انتهى (٢).

والحديث من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -، وقد سبق تمام البحث فيه في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رَحِمَهُ اللهُ - أوّل الكتاب قال:

[٥٤٩١] ( … ) - (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ ابْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله، يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لا تَمْشِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا تَحْتَبِ فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ، وَلَا تَأْكُلْ بِشِمَالِكَ، وَلَا تَشْتَمِلِ الصَّمَّاءَ، وَلَا تَضَعْ إِحْدَى رِجْلَيْكَ عَلَى الأُخْرَى إِذَا اسْتَلْقَيْتَ").


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٧٧ - ٧٨.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤١٧.