للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، فمن لم تبلغه دعوته - صلى الله عليه وسلم -، ولا معجزته، فكأنه لم يُبعث إليه رسول.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي مفهومه: دلالة على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام، فهو معذور، وهذا جارٍ على ما تقدّم في الأصول أنه لا حكم قبل ورُود الشرع على الصحيح. انتهى (١).

وقال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دليلٌ على أن من في أطراف الأرض، وجزائر البحر المنقطعة، ممن لم تبلغه دعوة الإسلام، ولا أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الحَرَجَ عنه في عدم الإيمان به ساقطٌ؛ لقوله: "لا يسمع بي"؛ إذ طريق معرفته، والإيمان به - صلى الله عليه وسلم - مشاهدة معجزته، وصدقه أيام حياته، أو صحّةُ النقل بذلك، والخبرُ من لم يشاهده، أو جاء بعده، بخلاف الإيمان بالله تعالى، وتوحيده الذي يوصل إليه بمجرد النظر الصحيح، ودليل العقل السليم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: بخلاف الإيمان بالله … إلخ فيه نظر؛ إذ الفرق بين الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبين الإيمان بالله تعالى من لم تبلغه الدعوة مخالف لظاهر النصّ، فمن أين له وجوب الإيمان بالله تعالى على من لم تبلغه الدعوة؟، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -.

٤ - (ومنها): أن من لم يؤمن برسالة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كافر يدخل النار، خالدًا مخلّدًا أبدًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم فيمن لم تبلغهم الدعوة:

قال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ - ما ملخّصه:

قد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى قديمًا وحديثًا في الوِلْدان الذين ماتوا، وهم صغار، وآباؤهم كفار، ماذا حكمهم؟ وكذا المجنون، والأصمّ، والشيخ الخَرِفُ، ومن مات في الفترة، ولم تبلغه دعوة، وقد وَرَدَ في شأنهم أحاديث … فذكر منها حديث الأسود بن سَرِيع - رضي الله عنه -:

قال الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ - (٤٢٤): حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ١٨٨.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٦٠٤.