للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(سَأَلُونِي)؛ أي: أهل نجران، وفي رواية الترمذيّ: عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى نجران، فقالوا لي: ألستم تقرؤون: {يَاأُخْتَ هَارُونَ}، وقد كان بين عيسى وموسى ما كان؟ فلم أَدْرِ ما أُجيبهم، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته، فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمّون بأنبيائهم، والصالحين قبلهم"، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيحٌ، غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس. انتهى (١).

(فَقَالُوا: إِنَّكُمْ) معاشر المسلمين (تَقْرَءُونَ: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم: ٢٨]، وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا) يعنون بذلك أن مريم عليه السلام ليست بأخت لهارون أخي موسى عليه السلام إذ بينهما زمن بعيد. (فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ)؛ أي: سأله أهل نجران، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("إِنَّهُمْ)؛ أي: بني إسرائيل، (كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ)؛ أي: بأسماء أنبيائهم (وَ) بأسماء (الصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ" أي: الذين تقدَّم زمنهم قبل زمانهم، كما وقع في هذه الآية الكريمة.

قال القرطبيّ رحمه الله: حديث المغيرة - رضي الله عنه - هذا يدلُّ على أن مريم - صلوات الله عليها - إنما سُميت أخت هارون بأخ لها، كان اسمه ذلك، ويُبطل قول من قال من المفسرين: إنها إنما قيل لها ذلك؛ لأنها شُبِّهت بهارون أخي موسى في عبادته، ونُسكه، وفيه: ما يدلّ على جواز التسمية بأسماء الأنبياء، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: يا شبيهةَ هارون في العبادة، أنت من بيت طيِّبٍ طاهرٍ، معروف بالصلاح، والعبادة، والزهادة، فكيف صدر هذا منكِ؟ قال عليّ بن أبي طلحة، والسُّدّيّ: قيل لها: أخت هارون؛ أي: أخي موسى، وكانت من نسله، كما يقال للتميميّ: يا أخا تميم، والمضريّ: يا أخا مضر، وقيل: نُسبت إلى رجل صالح، كان فيهم، اسمه هارون، فكانت تتأسى به في الزهادة، والعبادة. انتهى (٣).

وقال الإمام ابن جرير رحمه الله: اختَلَف أهل التأويل في السبب الذي قيل


(١) "جامع الترمذيّ" ٥/ ٣١٥.
(٢) "المفهم" ٥/ ٤٦٠ - ٤٦١.
(٣) "تفسير ابن كثير" ٩/ ٢٣٩.