للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جُعل فيه آية ظاهرة في كذبه، وكفره، يقرأها من قرأ، ومن لا يقرأ، زائدة على شواهد كذبه، مِنْ حَدَثه، ونَقْصه.

قال الحافظ: الحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع: "ومعه جبل من خبز، ونهر من ماء"، أخرجه أحمد، والبيهقيّ في "البعث" من طريق جُنادة بن أبي أمية، عن مجاهد، قال: انطلقنا إلى رجل من الأنصار، فقلنا: حدّثنا بما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدجال، ولا تحدّثنا عن غيره، فذكر حديثًا فيه: "تُمْطَرُ الأرضُ، ولا يَنبُتُ الشجر، ومعه جنة، ونار، فناره جنة، وجنته نار، ومعه جبل خبز … " الحديث بطوله، ورجاله ثقات، ولأحمد من وجه آخر عن جنادة، عن رجل من الأنصار: "معه جبال الخبز، وأنهار الماء"، ولأحمد من حديث جابر: "معه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران … " الحديث.

فدلّ ما ثبت من ذلك على أن قوله: "هو أهون على الله من ذلك" ليس المراد به ظاهره، وأنه لا يَجعل على يديه شيئًا من ذلك، بل هو على التأويل المذكور.

قال ابن العربيّ: أخذ بظاهر قوله: "هو أهون على الله من ذلك" مَن رَدّ من المبتدعة الأحاديث الثابتة أن معه جنة ونارًا، وغير ذلك، قال: وكيف يُرَدّ بحديث مُحْتَمِلٍ ما ثبت في غيره من الأحاديث الصحيحة؟ فلعل الذي جاء في حديث المغيرة جاء قبل أن يبيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أمره، ويَحْتَمِل أن يكون قوله: "أهو أهون"؛ أي: لا يجعل له ذلك حقيقة، وإنما هو تخييل، وتشبيه على الأبصار، فيثبت المؤمن، ويَزِلّ الكافر.

ومال ابن حبان في "صحيحه" (١) إلى الأخير، فقال: هذا لا يضادّ خبر أبي مسعود، بل معناه: أنه أهون على الله من أن يكون نهر ماء يجري، فإن الذي معه يُرَى أنه ماء، وليس بماء. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي مال إليه ابن حبّان -رحمه الله- هو الذي يترجّح


(١) راجع: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان" ١٥/ ٢١١.
(٢) "الفتح" ١٦/ ٥٧٦ - ٥٧٨، كتاب "الفتن" رقم (٧١٢٢).