(حَتَّى يُؤْذَنَ لَكَ؟ قَالَ) أبو موسى (اسْتَأْذَنْتُ كَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؛ أي: إن هذا الذي فعلته امتثال لِمَا سمعته من النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حيث قال:"إذا استأذن أحدكم، فإن أُذن، وإلا فليرجع". (قَالَ) -رضي الله عنه- لَمّا ذكر له حديثه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فَوَاللهِ لأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ، وَبَطْنَكَ)؛ أي: بالضرب تعزيرًا، (أَوْ لَتَأْتِيَنَّ)"أو" هنا بمعنى "إلّا"؛ أي: إلَّا أن تأتينّ، و"أن" مضمرة بعدها وجوبًا، والفعل منصوب محلًّا بها، مبنيّ لفظًا؛ لاتصاله بنون التوكيد، والله تعالى أعلم.
(بمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا) الذي نسبته إليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم إن ظاهر كلام عمر -رضي الله عنه- هذا تهديد لأبي موسى -رضي الله عنه-، وحقيقته زجر غيره؛ لأنَّ مَن دون أبي موسى إذا رأى هذه القضيّة، أو سمعها، إن كان في قلبه مرض، وأراد أن يضع حديثًا لترويج مرامه الفاسد ينزجر، ويخاف، ولا يجترئ على وضع حديث، وإلا فكيف يُظنّ في حقّ عمر أنه ظنّ في حقّ أبي موسى أنه وضع لمرامه حديثًا؟ بل هو أجلّ وأعلى عند عمر من ذلك، والله تعالى أعلم.
(فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ)؛ أي: بعدما جاء أبو موسى إلى مجلسه يطلب من يشهد له، (فَوَاللهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَحْدَثُنَا سِنًّا)؛ أي: أصغرنا، وإنما قال أُبيّ -رضي الله عنه- ذلك إشارةً إلى شهرة الحديث، حتى إن أصغرهم سمعه منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكأنه إنكار على عمر -رضي الله عنه- (١). (قُمْ يَا أَبَا سَعِيدٍ)؛ يعني: الخدريّ، وإنما عيّنه؛ لكونه أصغرهم، (فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عُمَرَ، فَقُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ هَذَا).
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله قبل حديث، ولله الحمد والمنّة.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّل الكتاب قال: