المهاجر بن قُنْفُذ أنه سَلَّم على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يردّ عليه حتى توضأ، وقال:"إني كَرِهت أن أذكر الله إلا على طهر"، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وصححه ابن خزيمة، وغيره.
وَيحْتَمِل أن يكون أراد ما في ردّ السلام من ذِكْر اسم الله صريحًا في قوله:"ورحمة الله".
وقد اختُلِف في معنى السلام، فنَقَل عياض: أن معناه اسم الله؛ أي: كلاءة الله عليك، وحِفظه، كما يقال: الله معك، ومصاحبك، وقيل معناه: أن الله مُطَّلِع عليك فيما تفعل، وقيل معناه: أن اسم الله يُذْكَر على الأعمال توقعًا لاجتماع معاني الخيرات فيها، وانتفاء عوارض الفساد عنها، وقيل معناه: السلامة، كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١)} [الواقعة: ٩١]، وكما قال الشاعر [من الوافر]:
فكان المسلِّم أعلمَ من سَلَّم عليه أنه سالم منه، وأن لا خوف عليه منه. وقال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": السلام يُطلق بإزاء معان: منها: السلامة، ومنها: التحية، ومنها: أنه اسم من أسماء الله، قال: وقد يأتي بمعنى التحية محضًا، وقد يأتي بمعنى السلامة محضًا، وقد يأتي متردِّدًا بين المعنيين، كقوله تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}[النساء: ٩٤]، فإنه يَحتمل التحية والسلامة، وقوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (٥٧) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: ٥٧ - ٥٨].
ثم أورد البخاريّ رحمه الله تحت الترجمة المذكورة قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء: ٨٦]، قال في "الفتح": ومناسبة ذِكر هذه الآية في هذه الترجمة للإشارة إلى أن عموم الأمر بالتحية مخصوص بلفظ السلام، كما دلت عليه الأحاديث المشار إليها في الباب الأول، واتفق العلماء على ذلك، إلا ما حكاه ابن التين عن ابن خويز منداد عن مالك أن المراد بالتحية في الآية: الهدية، لكن حَكَى القرطبي عن ابن خويز منداد أنه ذكره احتمالًا، وادَّعَى أنه قول الحنفية، فإنهم احتجوا بذلك بأن السلام لا يمكن ردّه بعينه، بخلاف الهدية، فإن الذي يُهدَى له إن أمكنه أن يُهدي أحسن منها فَعَلَ، وإلا ردَّها بعينها.