للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زَوْجَاتٌ، والفقهاء يقتصرون في الاستعمال عليها؛ للإيضاح، وخَوْف لَبْس الذكر بالأنثى؛ إذ لو قيل: تركة فيها زَوْج، وابن لم يُعْلَم أذكر هو أم أنثى. انتهى (١).

وقوله: (فُلَانَةُ") بدل من "زوجتي"، وإنما قال له ذلك؛ ليزيل عنه سوء الظنّ الذي يُلقيه الشيطان إليه. (فَقَالَ) الرجل (يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ)؛ أي: السوء، (فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ) ذلك السوء، والمعنى: أنه إن كان لي ظنّ سوء في أيّ شخص رأيته في محلّ ريبة، فلن يكون ذلك الظّن بك يا رسول الله؛ لأنك معصوم من كلّ سوء. (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ") قال القاضي وغيره: قيل: هو على ظاهره، وأن الله تعالى جعل له قُوّةً وقدرةً على الجري في باطن الإنسان مَجاري دمه، وقيل: هو على الاستعارة؛ لكثرة إغوائه، ووسوسته، فكأنه لا يفارق الإنسان، كما لا يفارقه دمه، وقيل: يُلقي وسوسته في مسامَّ لطيفةٍ من البدن، فتصل الوسوسة إلى القلب. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشيطان يجري … إلخ" حمله بعض العلماء على ظاهره، فقال: إن الله تعالى جعل للشيطان قوَّة، وتمكُّنًا من أن يسري في باطن الإنسان، ومجاري دمه، والأكثر على أن معنى هذا الحديث: الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان، واستيلائه عليه بوسوسته، وإغوائه، وحرصه على إضلاله، وإفساد أحواله، فيجب الحذر منه، والتحرُّز من حِيَله، وسدُّ طرق وسوسته، وإغوائه، وإن بَعُدت، وقد بيَّن ذلك في آخر الحديث بقوله: "إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا"، وخصوصًا في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى الكفر، فإنَّ ظنَّ السَّوء والشر بالأنبياء كفرٌ.

قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: في هذا الحديث من الفقه أن من قال في النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئًا من هذا، أو جوَّزه عليه، فهو كافر، مستباح الدم. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي الصواب حمل الحديث على ظاهره، وأن الشيطان له تمكّن من أن يجري في الإنسان مجرى دمه.


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٥٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٥٧.
(٣) "المفهم" ٥/ ٥٠٥.