للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ جَابِرٍ) بن عبد الله - رضي الله عنهما - (عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) أنه (قَالَ: "لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ) المراد به أخوّة الدين، سواء كان معها قرابة أم لا، وإنما عبّر بذلك استعطافًا، واستلطافًا، فكأنه يقول: كيف يقيمه، ويُلحق ضررًا، وهو أخوه، ومن حقّ الأخ على أخيه أن يدفع عنه الضرر، لا أن يُلحقه به، والله تعالى أعلم.

وقوله: (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) القيد به ليس معتبَرًا، كما بيّنته الروايات الأخرى، ولكن هذا الأمر يكثر يوم الجمعة بسبب ضيق المكان؛ لكثرة الناس فيه.

وقال الشوكانيّ رحمه الله: وذِكر يوم الجمعة في الحديث من باب التنصيص على بعض أفراد العامّ، لا من باب التقييد للأحاديث المطلقة، ولا من باب التخصيص للعمومات، فمن سبق إلى موضع مباح، سواء كان مسجدًا أو غيره في يوم جمعة أو غيرها، لصلاة أو لغيرها من الطاعات، فهو أحقّ به، ويحرم على غيره إقامته منه، والقعود فيه، إلا أنه استُثني من ذلك الموضع الذي قد سبق لغيره فيه حقّ، كأن يقعد رجل في موضع، ثم يقوم منه لقضاء حاجة من الحاجات، ثم يعود إليه، فإنه أحقّ به ممن قعد فيه بعد قيامه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتي، وظاهره عدم الفرق بين المسجد وغيره، ويجوز له إقامة من قعد فيه، ومثل ذلك الأماكن التي يقعد الناس فيها لتجارة، أو نحوها، فإن المعتاد للقعود في مكان يكون أحقّ به من غيره، إلا إذا طالت مفارقته له بحيث ينقطع معاملوه. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله (١).

وقوله: (ثُمَّ لِيُخَالِفَ) ضُبط في النُّسخ ضبطَ قلم بالجزم على أن اللام لام الأمر، والظاهر أنه غير صحيح، بل هي لام التعليل، والفعل منصوب بعدها بـ "أن" مضمرةً جوازًا؛ أي: ثمّ لأن يُخالفَ؛ أي: ليخلفه (إِلَى مَقْعَدِه، فَيَقْعُدَ فِيه، وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا") بوصل الهمزة أمرٌ من فَسَحَ يفسح، كفتح يفتح؛ أي: وسِّعوا المكان، وذلك بأن ينضمّ بعضكم إلى بعض حتى يسع الداخل الجلوس فيه معكم، والله تعالى أعلم.


(١) "نيل الأوطار" ٣/ ٣٠٧.