بغيره؛ من تضييق طريق، أو اطلاع على عورة منزل غيره، ولربِّ الدار أن يمنعه؛ لأنَّ الأفنية حقّ لأرباب المنازل؛ لأنَّ عمر - رضي الله عنه - قضى بالأفنية لأرباب الدور، قال ابن حبيب: وتفسير هذا يعني: بالانتفاع للمجالس، والمرابط، والمصاطب، وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة، وليس بأن ينحاز بالبنيان، والتحظير.
قال القرطبيّ: وعلى هذا فليس لربِّ الدار التصرف في فنائها ببناء دكان، أو غيره مما يثبت ويدوم؛ لأنَّه من المنافع المشتركة بينه وبين الناس؛ إذ للناس فيه حقّ العبور، والوقوف، والاستراحة، والاستظلال، وما أشبه هذه الأمور، لكنه أخصُّ به، فيجوز له من ذلك ما لا يجوز لغيره، من مرافقه الخاصّة به، كبناء مِصطبّة لجلوسه، ومربط فرسه، وحطّ أحماله، وكنس مرحاضه، وتراب بيته، وغير ذلك مما يكون من ضروراته.
وعلى هذا فلا يفعل فيها ما لا يكون من ضرورات حاجاته، كبناء دكان للباعة، أو تحظيره عن الناس، أو إجارته لمن يبيع فيه؛ لأنَّ ذلك كله مَنْع الناس من منافعهم التي لهم فيه، وليس كذلك الإذن في البيع الخفيف بغير أجر؛ لأنَّ ذلك من باب الرفق بالمحتاج، والفقير.
وأصل الطرق، والأفنية للمرافق، ولو جاز أن يحاز الفناء ببناء ونحوه للزم أن يكون لذلك البناء فناء، ويتسلسل إلى أن تذهب الطرق، وترتفع المرافق. انتهى (١).
(قَالَتْ) أسماء (إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ) وفي نسخة: "ذلك"، (الزُّبَيْرُ، فَتَعَالَ: فَاطْلُبْ إِلي، وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ) جملة حاليّة من ياء المتكلّم، (فَجَاءَ) ذلك الفقير (فَقَالَ: يَا أمّ عَبْدِ الله، إِنِّي رَجُل فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ في ظِلِّ دَارِكِ)؛ أي: فَأْذَنِي لي في ذلك. (فَقَالَتْ) أسماء (مَا لَكَ) بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أما لك (بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي؛) وهذا قالته لتخفي الأمر على الزبير. (فَقَالَ لَهَا) فيه أن هذا من الالتفات، إذ الأصل أن تقول: فقال لي (الزُّبَيْرُ) - رضي الله عنه - (مَا) نافية (لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ) في ظلّ دارك، وهذا يدلّ على شدّة شفقة الزبير - رضي الله عنه -، مع شدّة غيرته.