للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المفعول الأول، على وجه التوكيد، فيقال: بعتُ من زيد الدارَ كما يقال: كتمته الحديثَ، وكتمت منه الحديثَ، وسرقتُ زيدًا المالَ، وسرقت منه المالَ، وربما دخلت اللام مكان "مِنْ"، يقال: بعتك الشيءَ، وبعته لك، فاللام زائدة، زيادتها في قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: ٢٦]، والأصل بوأنا إبراهيم. انتهى (١).

قال القرطبيّ رحمه اللهُ: وبيعها للجارية من غير إذن الزبير يدلّ على أن للمرأة التصرُفَ في مالها بالبيع، والابتياع، من غير إذن الزوج، وليس له مَنْعها من ذلك، إذا لم يضرُه ذلك في خروجها، ومشافهتها للرجال بالبيع، والابتياع، فله مَنْعها مما يؤدي إلى ذلك. انتهى (٢).

(فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، وَثَمَنُهَا في حَجْرِي) جملة حاليّة، وحَجْرُ الإنسان بالفتح، وقد يُكسر: حِضْنُهُ، وهو ما دون إبطه إلى الْكَشْح، ويقال: هو في حجْره؛ أي: كَنَفه، وحمايته، قاله الفيّوميّ.

قال الجامع عفا الله عنه: وما هنا من المعنى الثاني؛ أي: والحال أن ثمن تلك الجارية كان في حوزتي وحفظي، ورعايتي، والله تعالى أعلم.

(فَقَالَ) الزبير (هَبِيهَا لِي)؛ أي: هذه الدراهم التي هي ثمن تلك الجارية، و"هَبي" أمر مؤنّث، من وهب يهب، يقال: وهَبْتُ لزيد مالًا أهَبُهُ له هِبَة: أعطيته بلا عِوَضٍ، يتعدى إلى الأول باللام، وفي التنزيل: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: ٤٩] ووَهْبًا بفتح الهاء، وسكونها، ومَوْهِبًا، ومَوْهِبَةً، بكسرهما، قال ابن الْقُوْطِيَّة، والسَّرَقُسْطِيّ، والْمُطَرِّزِيّ، وجماعة: ولا يتعدى إلى الأول بنفسه، فلا يقال: وَهَبْتُكَ مالًا، والفقهاء يقولونه، وقد يُجعل له وجهٌ، وهو أن يُضَمَّن وَهَبَ معنى جَعَلَ (٣)، فيتعدّى


(١) "المصباح المنير" ١/ ٦٩.
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٢٢.
(٣) اعترض بعضهم هذا، فقال: جَعَل الناصبة مفعولين لا يُمكن تضمين معناها وهَبَ؛ إذ يُشترك أن يكون مفعولاها مبتدأ وخبرًا في الأصل، والمال لا يُخبر به عن زيد، فالأولى أن يقال: أن يُضمّن وَهَب معنى أعْطى كان صوابًا، والله تعالى أعلم.
انتهى بتصرّف من هامش "المصباح".