للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إن بعض البيان سِحْرٌ؛ لأنَّ صاحبه يوضح الشيء المشكل، ويكشف عن حقيقته بحسن بيانه، فيستميل القلوب كما تُستمال بِالسّحْر، وقال بعضهم: لَمّا كان في البيان من إبداع التركيب، وغرابة التأليف ما يجذب السامع، ويخرجه إلى حدّ يكاد يشغله عن غيره شُبِّه بِالسِّحْرِ الحقيقيّ، وقيل: هو السِّحْرُ الحلال. انتهى (١).

(المسألة الثانية): في أنواع السحر:

قال الراغب الأصفهانيّ وغيره: السحر يُطلق على معانٍ:

[أحدهما]: ما لَطُف، ودَقّ، ومنه سَحَرت الصبيّ: خادعته، واستملته، وكلُّ من استمال شيئًا، فقد سحره، ومنه إطلاق الشعراء سِحْر العيون؛ لاستمالتها النفوس، ومنه قول الأطباء: الطبيعة ساحرة، ومنه قوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: ١٥]؛ أي: مصروفون عن المعرفة، ومنه حديث: "إن من البيان لسحرًا"، رواه البخاريّ.

[الثاني]: ما يقع بخداع، وتخييلات، لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعوِذ، من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وقوله تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف: ١١٦]، ومن هناك سَمُّوا موسى ساحرًا، وقد يستعين في ذلك بما يكون فيه خاصيّة كالحَجَر الذي يجذب الحديد المسمى المغنطيس.

[الثالث]: ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: ١٠٢].

[الرابع]: ما يحصل بمخاطبة الكواكب، واستنزال روحانياتها بزعمهم، قال ابن حزم: ومنه ما يوجد من الطلسمات، كالطابَع المنقوش، فيه سورة عقرب، في وقت كون القمر في العقرب، فينفع إمساكه من لدغة العقرب، وكالْمُشاهَد ببعض بلاد الغرب، وهي سَرَقُسْطة، فإنها لا يدخلها ثعبان قط، إلَّا إن كان بغير إرادته، وقد يَجمع بعضهم بين الأمرين الأخيرين، كالاستعانة


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٦٧ - ٢٦٨.