للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإلهيةُ، بل هي أدويته النافعةٌ بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السُّفْلية، ودَفْع تأثيرها يكون بما يعارضها، ويقاومها من الأذكار، والآيات، والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشدّ كانت أبلغ في النُّشْرة، وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كلّ واحد منهما عُدَّته، وسلاحه، فأيهما غلب الآخر قَهَره، وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ممتلئًا من الله، مغمورًا بذِكْره، وله من التوجهات، والدعوات، والأذكار، والتعوذات، وِرْدٌ لا يُخِل به، يطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يصيبه.

وعند السحرة أن سحرهم إنما يتم تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات، ولهذا فإن غالب ما يؤثر في النساء والصبيان، والجهال، وأهل البوادي، ومن ضَعُف حظه من الدين، والتوكل، والتوحيد، ومن لا نصيب له من الأوراد الإلهية، والدعوات، والتعوذات النبوية.

وبالجملة: فسلطان تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلها إلى السفليات، قالوا: والمسحور هو الذي يُعِين على نفسه، فإنا نجد قلبه متعلقًا بشيء كثير الالتفات إليه، فيتسلط على قلبه بما فيه من الميل والالتفات، والأرواحُ الخبيثة، إنما تتسلط على أرواح تلقاها مستعدّة لتسلطها عليها، بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغها من القوّة الإلهية، وعدم أخدها للعُدّة التي تحاربها بها، فتجدها فارغة لا عدّة معها، وفيها ميل إلى ما يناسبها، فتتسلط عليها، ويتمكن تأثيرها فيها بالسحر وغيره، والله أعلم. انتهى (١).

٧ - (ومنها): ما قاله ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ - أيضًا: قد أنكر هذا طائفة من الناس - سحر اليهوديّ للنبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنّوه نقصًا وعيبًا، وليس الأمر كما زعموا، بل هو من جنس ما كان يعتريه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الأسقام، والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسمّ، لا فرق


(١) "زاد المعاد" ٤/ ١١٦.