للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الأثير رحمه الله: قد تكرر ذكر الرُّقية، والرُّقى، والرَّقْي، والاسترقاء في الحديث، والرقيةُ: الْعَوْذة التي يُرْقَى بها صاحب الآفة، كالْحُمَّى، والصَّرْع، وغير ذلك من الآفات، وقد جاء في بعض الأحاديث جوازها، وفي بعضها النهي عنها، فمن الجواز قوله - صلى الله عليه وسلم -: "استرقوا لها، فإن بها النظرة"، متّفقٌ عليه؛ أي: اطلبوا لها من يرقيها، ومن النهي قوله: "لا يسترقون، ولا يكتوون"، متّفقٌ عليه، والأحاديث في القسمين كثيرة.

ووجه الجمع بينهما: أن الرُّقَى يُكره منها ما كان بغير اللسان العربيّ، وبغير أسماء الله تعالى، وصفاته، وكلامه، في كُتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة، فيتكل عليها، وإياها أراد - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ما توكل من استرقى"، ولا يُكره منها ما كان في خلاف ذلك، كالتعوذ بالقرآن، وأسماء الله تعالى، والرُّقَى المروية، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - للذي رَقَى بالقرآن، وأخذ عليه أجرًا: "من أخذ برقية باطل، فقد أخذت برقية حقّ" (١).

وكقوله في حديث جابر - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "اعْرِضوها عليّ، فعرضناها، فقال: لا بأس بها، إنما هي مواثيق"، كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به، ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية، وما كان بغير اللسان العربيّ، مما لا يُعرف له ترجمة، ولا يمكن الوقوف عليه، فلا يجوز استعماله.

وأما قوله: "لا رُقية إلا من عين، أو حُمَة": فمعناه: لا رقية أَولى وأنفع، وهذا كما قيل: لا فتى إلا عليّ، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - غير واحد من أصحابه بالرقية، وسمع بجماعة يَرْقون فلم يُنكِر عليهم.

وأما الحديث الآخر في صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب: "هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون"، فهذا من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها، وتلك درجة الخواصّ لا يبلغها غيرهم، فأما العامّ فمرخص لهم في التداوي، والمعالجات، ومن صبر على البلاء، وانتظر الفرج من الله بالدعاء، كان من جملة الخواصّ والأولياء، ومن لم يصبر رُخّص له في الرقية، والعلاج،


(١) صحيح، أخرجه أبو داود، وغيره.