مجفّف لها، مزيل لشدة يبسه، وتجفيفه للرطوبة الرديئة المانعة من برئها، ويحصل به مع ذلك تعديل مزاج العضو العليل، ومتى اعتدل مزاج العضو، قويت قواه المدبرة، ودفعت عنه الألم بإذن الله تعالى.
قال: ومعنى الحديث أنه يأخذ من ريق نفسه، على إصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب، فيعلَق بها منه شيء، فيمسح به على الجرح، ويقول هذا الكلام؛ لِمَا فيه من بركة ذِكر اسم الله تعالى، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، فينضم أحد العلاجين إلى الآخر، فيقوى التأثير.
وهل المراد بقوله:"تُربة أرضنا" جميع الأرض، أو أرض المدينة خاصّة؟ فيه قولان، ولا ريب أن من التربة ما تكون فيه خاصية ينفع بخاصيته من أدواء كثيرة، ويشفي به أسقامًا رديئةً، قال جالينوس: رأيت بالإسكندرية مطحولين، ومستسقَين كثيرًا، يستعملون طين مصر، ويطلون به على سوقهم، وأفخاذهم، وسواعدهم، وظهورهم، وأضلاعهم، فينتفعون به منفعة بيّنة، قال: وعلى هذا النحو فقد ينفع هذا الطلاء للأورام العَفِنة، والمتَرَهِّلة الرخوة، قال: وإني لأعرف قومًا تَرَهَّلَتْ (١) أبدانهم كلها من كثرة استفراغ الدم، من أسفل انتفعوا بهذا الطين نفعًا بيّنًا، وقومًا آخرين شُفُوا به أوجاعًا مُزْمِنَةً، كانت متمكنة في بعض الأعضاء، تمكّنًا شديدًا، فبرأت، وذهبت أصلًا.
وقال صاحب الكتاب المسيحيّ: قُوّة الطين المجلوب من كنوس - وهي جزيرة المصطكى - قُوّة تجلو، وتغسل، وتُنبت اللحم في القروح، وتختم القروح. انتهى.
وإذا كان هذا في هذه التربات، فما الظنّ بأطيب تربة على وجه الأرض، وأبركها، وقد خالطت ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقارنت رقيته باسم ربه، وتفويض الأمر إليه، وقد تقدّم أن قوى الرقية، وتأثيرها بحسب الراقي، وانفعال المرقيّ عن رقيته، وهذا أمر لا ينكره طبيب فاضل عاقل مسلم، فإن انتفى أحد
(١) يقال: رَهِلَ لحمه بالكسر: اضطرب، واسترخى، وانتفخ، أو وَرِمَ من غير داء. انتهى. "القاموس" ص ٥٣٨.