أمر اللهُ". ورواه بقيّ بن مَخْلَد في "مُسنده" كذلك: "لا يزال أهل المغرب كذلك".
قال القرطبيّ: وهذه الروايات تدلّ على بطلان التأويلات المتقدّمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة مدينة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما هو الشام، وآخره حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى، وما بينهما، كلّ ذلك يُقال عليه: مغرب، فهل أراد المغرب كلّه، أو أوّله؟ كلُّ ذلك محتملٌ، لا جَرَم قال معاذٌ - رضي الله عنه - في الحديث الآخر: "هم أهل الشام"، ورواه الطبريّ، وقال: هم ببيت المقدس. وقال أبو بكر الطرطوشيّ في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى قال: - والله تعالى أعلم - هل أرادكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أراد بذلك جملةَ أهل المغرب لما هم عليه من التمسّك بالسنّة والجماعة، وطهارتهم من البِدَع والإحداث في الدين، والاقتفاء لآثار من مضى من السلف الصالح؟. والله تعالى أعلم. انتهى ما ذكره القرطبيّ (١).
وقال في "الفتح": قال صاحب "المشارق" في قوله: "لا يزال أهل الغرب" يعني الرواية التي في بعض طرق مسلم، وهي - بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء -: ذكر يعقوب بن شيبة عن علي ابن المديني قال: المراد بالغرب الدلو؛ أي: العَرَب - بفتح المهملتين - لأنهم أصحابها، لا يستقي بها أحد غيرهم، لكن في حديث معاذ: "وهم أهل الشام"، فالظاهر أن المراد بالغرب البلد؛ لأن الشام غربي الحجاز، كذا قال، وليس بواضح. ووقع في بعض طرق الحديث "المغرب" - بفتح الميم، وسكون المعجمة - وهذا يَرُدّ تأويل الغرب بالعرب، لكن يحتمل أن يكون بعض رواته نقله بالمعنى الذي فهمه، أن المراد الإقليم، لا صفة بعض أهله. وقيل: المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الجهاد، يقال: في لسانه غَرْب - بفتح، ثم سكون - أي: حِدّة. ووقع في حديث أبي أمامة عند أحمد: "أنهم ببيت المقدس"، وأضاف "بيت" إلى "المقدس". وللطبراني من حديث النهدي نحوه، وفي حديث أبي هريرة في