للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليه بعضُ الأئمة حديث: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، أنه لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحدٌ فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو مُتَّجِهٌ، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يُدَّعَى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى، باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها، ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعيّ، وإن كان متصفًا بالصفات الجميلة، إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد، والحكم بالعدل، فعلى هذا كُلُّ من كان متصفًا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد، سواء تعدد أم لا. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وهو بحثٌ نفيسٌ جِدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في أقوال أهل العلم في الجمع بين قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "حتى تقوم الساعة"، وحديث مسلم: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق".

قال ابن بطال رحمه الله تعالى: هذا الحديث وما أشبهه، ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض، حتى لا يبقى منه شيء؛ لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة، إلا أنه يضعف، ويعود غريبًا كما بدأ، ثم ذكر حديث: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق … " الحديث، قال: فتبيّن في هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى، وأن الطائفة التي تبقى على الحق، تكون ببيت المقدس إلى أن تقوم الساعة، قال: فبهذا تأتلف الأخبار. وتعقّبه الحافظ رحمه الله تعالى، قائلًا: ليس فيما احتج به تصريح إلى بقاء أولئك إلى قيام الساعة، وإنما فيه حتى يأتي أمر الله، فيحتمل أن يكون المراد بأمر الله، ما ذُكر من قبض مَن بقي من المؤمنين، وظواهر الأخبار تقتضي أن الموصوفين بكونهم ببيت المقدس أن آخرهم من كان مع عيسى عليه السلام، ثم إذا


(١) "الفتح" ١٥/ ٢٢٩ - ٢٣٠.