للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، كيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟)؛ أي: في الرقى الذي نستعمله في الجاهليّة، (فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("اعْرِضُوا) بكسر الراء، من باب ضرب، (عَلَيَّ رُقَاكُمْ) بضمّ الراء: جمع رُقية. (لَا بَأْسَ)؛ أي: لا حرج، وأصل البأس الشدَّة، والعذاب، (بِالرُّقَي، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ) فيه إباحة الرقي، قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دليل على جواز الرُّقي، والتطبُّب بما لا ضرر فيه، ولا مَنْع شرعيًّا مطلقًا، وإن كان بغير أسماء الله تعالى وكلامه، لكن إذا كان مفهومًا، وفيه: الحضُّ على السعي في إزالة الأمراض والأضرار عن المسلمين بكل ممكن جائز. انتهى (١).

وقال في "الفتح": وقد تمسك قوم بهذا العموم، فأجازوا كلَّ رقية جُزبت منفعتها، ولو لَمْ يُعقل معناها، لكن دلّ حديث عوف هذا أنه مهما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك يُمْنَع، وما لا يُعقل معناه لا يؤمَن أن يؤدي إلى الشرك، فيمتنع احتياطًا. انتهى (٢).

وقال ابن عبد البرّ: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في جواز الاسترقاء من العين، والْحُمَة، وقد ثبت ذلك عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والآثار في الرُّقَى أكثر من أن تحصى.

وقال جماعة من أهل العلم: الرُّقَى جائزة من كلّ وجع، ومن كلّ ألم، ومن العين، وغير العين.

قال: قال ابن وهب: وأخبرني ابن سمعان قال: سمعت رجالًا من أهل العلم يقولون: إذا لُدِغ الإنسان، فنهشته حية، أو لسعته عقرب، فليقرأ الملدوغ بهذه الآية: {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: ٨]، فإنه يعافى بإذن الله. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.

مسألتان تتعلَّقان بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عوف بن مالك الأشجعيّ - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف - رَحِمَهُ اللهُ -.


(١) "المفهم" ٥/ ٥٨٤.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١٥٥.
(٣) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٢٣/ ١٥٦.