للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: ١٤٨]، و {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا} [النحل: ٣٥]، فهذا قالوه دفعًا لحجة الله عليهم بالرسل.

وجواب هذا السائل أن يقال: بقي قسم ثالث لم تذكره، هو أن الله قدّر كذا وكذا بهذا السبب، فإن أتيت بالسبب حصل المسبَّب، وإلا فلا، فإن قال: إن كان قُدِّر لي السبب فعلته، وإن لم يقدّره لي لم أتمكن من فعله، قيل: فهل تقبل هذا الاحتجاج من عبدك، وولدك، وأجيرك، إذا احتَجّ به عليك فيما أمرته به، ونهيته عنه، فخالفك؟ فإن قبلته فلا تَلُم من عصاك، وأخذ مالك، وقذف عرضك، وضيَّع حقوقك، وإن لم تقبله فكيف يكون مقبولًا منك في دفع حقوق الله عليك؟.

وقد رُوي في أثر إسرائيلي: أن إبراهيم الخليل -عليه السّلام- قال: يا رب ممن الداء؟ قال: مني، قال: فممن الدواء؟ قال: مني، قال: فما بال الطبيب؟ قال: رجل أُرسلُ الدواء على يديه.

وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لكل داء دواءٌ" تقوية لنفس المريض، والطبيب، وحَثّ على طلب ذلك الدواء، والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلَّق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سببها لقوة الأرواح الحيوانية، والنفسانية، والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح قويت القوى التي هي حاملة لها، فقهرت المرض، ودفعته.

وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء، أمكنه طلبه، والتفتيش عليه، وأمراض الأبدان على وزان أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضًا إلا جعل له شفاء بضدّه، فإن علمه صاحب الداء، واستعمله، وصادف داء قلبه أبرأه بإذن الله تعالى. انتهى كلام ابن القيّم -رحمه الله- (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيسٌ، والله تعالى أعلم.


(١) "زاد المعاد" ٤/ ١٣ - ١٧.