للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفي رواية البخاريّ: "كانت إذا أُتيت بالمرأة قد حُمّت تدعو لها، أخذت الماء، فصبّته بينها وبين جيبها". (وَتَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ") تقدّم أن الصحيح بوصل الهمزة، وضمّ الراء، من برد يبرُد، من باب نصر، ويجوز أن يكون بقطع الهمزة، وكسر الراء، من الإبراد، وفي رواية البخاريّ: "وقالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نَبْرُدها بالماء"، قال في "الفتح": بفتح أوله، وضم الراء الخفيفة، وفي رواية لأبي ذرّ بضم أوله، وفتح الموحّدة، وتشديد الراء، من التبريد، وهو بمعنى رواية: أَبْرَدَ، بهمزة مقطوعة. انتهى (١).

وقال في "العمدة": قال الكرمانيّ: "نبردها" من التبريد، والإبراد؛ يعني: إما من باء التفعيل نُبَرِّدها بالتشديد، وإما من باب الإفعال نُبْرِدها بضم النون، وسكون الباء، وقال الجوهريّ: لا يقال: أبردته؛ يعني: من باب الإفعال، إلا في لغة رديئة، واللغة الفصيحة هي التي ضبطناها أوّلًا، وقال الجوهريّ: بَرَدَ الشيءُ بالضم، وبَرَدته أنا فهو مبرود، وبَرّدته تبريدًا. انتهى (٢).

(وَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("إِنَّهَا)؛ أي: الحمّى (مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ") -بفتح الفاء، وسكون الياء آخر الحروف، وبحاء مهملة، وفي حديث آخر: "من فوح" بالواو، وفي آخر: "فور" بالراء بدل الحاء، والكل بمعنى واحد، وقال الجوهريّ: الفيح، والفوح لغتان، يقال: فاحت رائحة المسك تفيح، وتفوح، فَيْحًا، وفَوْحًا، وفُوُوحًا، ولا يقال: فاحت ريح خبيثة، ويجوز أن يكون قوله: "من فيح جهنم" حقيقةً، وهو الصواب، ويكون اللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقدّر الله ظهورها بأسباب تقتضيها؛ ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفرح واللذة، من نعيم الجنة، أظهرها الله في هذه الدار عبرةً، ودلالةً، ويجوز أن يكون من باب التشبيه، على معنى أن حرّ الحمى شبيه بحرّ جهنم؛ تنبيهًا للنفوس على شدّة حر النار.

وقال الطيبيّ: "مِنْ" ليست بيانية، حتى يكون تشبيهًا، وإنما هي إما ابتدائية؛ أي: الحمى نشأت، وحصلت من فيح جهنم، أو تبعيضية؛ أي: بعض


(١) "الفتح" ١٣/ ١٢٧، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٤).
(٢) "عمدة القاري" ٢١/ ٢٥٥.