الألم، وكذلك قلع سنّه، وعينه، أو نحو ذلك، لا بدّ فيه من زيادة ألم ليصل المجنيّ عليه إلى استيفاء حقّه، فهلّا اعتبرتم هذا الألم المقدّرة زيادته في اللطمة، والضربة، كما اعتبرتموه فيما ذكرنا من الصور، وغيرها؟.
قال المانعون: كما عَدَلْنا في الإتلاف الماليّ إلى القيمة، عند تعذّر المماثلة، فكذلك ههنا، بل أَولى لحرمة البشرة، وتأكّدها على حرمة المال.
قال المجوّزون: هذا قياس فاسدٌ من وجهين:
[أحدهما]: أنكم لا تقولون بالمماثلة في إتلاف المال، فإنه إذا أتلف عليه ثوبًا لم تجوّزوا أن يُتلف عليه مثله من كلّ وجه، ولو قطع يده، وقتله لقطعت يده، وقُتل به، فعُلم الفرق بين الأموال والأبشار، ودلّ على أن الجناية على النفوس والأطراف يُطلب فيها الْمُقاصّة بما لا يُطلب في الأموال.
[والثاني]: من هو الذي سلّم لكم أن غير المكيل والموزون يُضمن بالقيمة، لا بالنظير، ولا إجماع في المسألة، ولا نصّ؟ بل الصحيح أنه يجب المِثل في الحيوان وغيره بحسب الإمكان، كما ثبت عن الصحابة -رضي الله عنهم- في جزاء الصيد أنهم قضوا فيه بمِثله من النَّعم، بحسب الإمكان، فقضوا في النعامة بَبَدنة، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الظبي بشاة، إلى غير ذلك.
قال المانعون: هذا على خلاف القياس، فيصار إليه؛ اتّباعًا للصحابة، ولهذا منعه أبو حنيفة، وقدّم القياس عليه، وأوجب القيمة.
قال المجوّزون: قولكم: إن هذا على خلاف القياس، فرع على صحّة الدليل الدّالّ على أن المعتَبر في ذلك هو القيمة، دون النظير، وأنتم لم تذكروا على ذلك دليلًا، من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع، حتّى يكون قضاء الصحابة بخلافه، على خلاف القياس، فأين الدليل؟.
قال المانعون: الدليل على اعتبار القيمة في إتلاف الحيوان، دون المِثل، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ضمّن معتق الشِّقص إذا كان موسرًا بقيمته، ولم يضمّنه نصيب الشريك بمثله، فدلّ على أن الأصل هو القيمة في غير المكيل والموزون.
قال المجوّزون: هذا أصل ما بنيتم عليه اعتبار القيمة في هذه المسائل وغيرها، ولكنه بناء على غير أساس، فإن هذا ليس مما نحن فيه في شيء، فإن هذا ليس من باب ضمان المتلَفات بالقيمة، بل هو من باب تملّك مال الغير