للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَيَدْخُلُ فِيهَا، فَيُجْرِبُهَا) بضمّ حرف المضارعة، من الإجراب؛ أي: يُعدي ذلك البعير جَرَبه إليها، وقوله: (كُلَّهَا) بالنصب توكيد للضمير المفعول.

(قَالَ) -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ("فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ " أي: من أجرب البعير الأول؟ يعني: ممن سَرَى إليه الجرب، فإن قلت: من بعير آخر يلزم التسلسل، وإن قلت: بسبب آخر، فعليك بيانه، وإن قلت: إن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدَّعَي، وهو أن الذي فعل في الجميع ذلك هو الله الخالق القادر على كلّ شيء، وهذا جواب من النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غاية البلاغة، والرَّشَاقة (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: معناه أن البعير الأول الذي جرِبَ من أجربه؟؛ أي: وأنتم تعلمون، وتعترفون أن الله تعالى هو الذي أوجد ذلك من غير ملاصقة لبعير أجرب، فاعلموا أن البعير الثاني والثالث وما بعدهما إنما جَرِب بفعل الله تعالى وإرادته، لا بعدوى تُعْدِي بطبعها، ولو كان الجرب بالعدوى بالطبائع لم يَجْرَب الأول؛ لعدم المعدِي، ففي الحديث بيان الدليل القاطع لإبطال قولهم في العدوى بطبعها. انتهى (٢).

وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "فمن أعدى الأول؟ " من الأجوبة المسكتة البرهانية التي لا يمكن دفعها؛ إذ لو جَلَبت الأدواءُ بعضها بعضًا لزم فقد الداء الأول؛ لفقد الجالب، فقَطَع التسلسلَ، وأحال على حقيقة التوحيد الكامل الذي لا مَعْدِل عنه، فهو جواب في غاية الرَّشَاقة والبلاغة.

[تنبيه]: قال الطيبي -رَحِمَهُ اللهُ-: إنما أتى بـ "مَن"، والظاهر أن يقال: فما أعدى الأول ليجاب بقوله: الله تعالي، وذكر "أعدى" للمشاكلة والازدواج، كما في قوله: "كما تدين تدان". انتهى (٣)، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.

(المسألة الثانية): في تخريجه:


(١) "عمدة القاري" ٢١/ ٢٨٨.
(٢) "شرح مسلم" ١٤/ ٢١٧.
(٣) "الكاشف عن حقائق السُّنن" ٩/ ٢٩٨٠.