وهذا فضل من الله -سبحانه وتعالى- على عباده حيث ييسّر لهم التخلّص ممّا يتضايقون منه، وله الحمد في الأولى والآخرة. والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في أقوال أهل العلم في معنى حديث: "إنما الشؤم في ثلاثة … " تكميلًا لِمَا سبق:
قال ابن العربيّ -رحمه الله-: الحصر فيها بالنسبة إلى العادة، لا بالنسبة إلى الخِلْقة. انتهى، وقال غيره: إنما خُصَّت بالذِّكر؛ لطول ملازمتها، وقد رواه مالك، وسفيان، وسائر الرواة بحذف "إنما"، لكن في رواية عثمان بن عمر:"لا عدوى، ولا طيرة، وإنما الشؤم في الثلاثة". قال مسلم: لم يذكر أحد في حديث ابن عمر: "لا عدوى"، إلا عثمان بن عمر، قال الحافظ: ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه أبو داود، لكن قال فيه:"إن تكن الطيرة في شيء … " الحديث.
والطيرة والشؤم بمعنى واحد، وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة، قال ابن قتيبة: ووَجْهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيّرون، فنهاهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أَبَوْا أن ينتهوا، بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة، قال الحافظ: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره.
قال القرطبيّ: ولا يُظَنّ به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده؛ بناءً على أن ذلك يضر، وينفع بذاته، فإن ذلك خطأ، وإنما عَنَى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه، ويستبدل به غيره.
قال الحافظ: وقد وقع في رواية عمر العسقلانيّ، وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن ابن عمر، بلفظ:"ذكروا الشؤم، فقال: إن كان في شيء ففي … "، ولمسلم:"إن يك من الشؤم شيء حقٌّ … "، وفي رواية عُتبة بن مسلم:"إن كان الشؤم في شيء … "، وكذا في حديث جابر عند مسلم، وهو موافق لحديث سهل بن سعد، عند الشيخين، وهو يقتضي عدم الجزم بذلك، بخلاف رواية الزهريّ.