ثانيها: ما يُخبر الجنيّ به من يواليه بما غاب عن غيره، مما لا يَطّلع عليه الإنسان غالبًا، أو يَطَّلع عليه مَن قَرُب منه، لا مَن بَعُد.
ثالثها: ما يستند إلى ظنّ، وتخمين، وحَدْس، وهذا قد يجعل الله فيه لبعض الناس قُوَّةً، مع كثرة الكذب فيه.
رابعها: ما يستند إلى التجربة، والعادة، فيستدلّ على الحادث بما وقع قبل ذلك، ومن هذا القسم الأخير ما يضاهي السحر، وقد يعتضد بعضهم في ذلك بالزجر، والطَّرْق، والنجوم، وكل ذلك مذموم شرعًا، وورد في ذمّ الكهانة ما أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه الحاكم، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، رفعه:"من أتى كاهنًا، أو عَرّافًا، فصَدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد"، وله شاهد من حديث جابر، وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-، أخرجهما البزار بسندين جيِّدين، ولفظهما:"من أتى كاهنًا … "، وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن الرواة من سمّاها حفصة، بلفظ:"من أتى عَرّافًا … "، وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود، بسند جيِّد، لكن لم يصرح برفعه، ومثله لا يقال بالرأي، ولفظه:"من أتى عرّافًا، أو ساحرًا، أو كاهنًا … "، واتفقت ألفاظهم على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة، إلا حديث مسلم، فقال فيه:"لم يُقبل لهما صلاة أربعين يومًا"، ووقع عند الطبرانيّ من حديث أنس، بسند لَيِّن، مرفوعًا، بلفظ:"من أتى كاهنًا، فصدّقه بما يقول، فقد برئ مما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومن أتاه غير مصدِّق له، لم تُقبل صلاته أربعين يومًا".
والأحاديث الأُوَل مع صحتها وكثرتها أَولى من هذا، والوعيد جاء تارةً بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فَيُحْمَل على حالين من الآتي، أشار إلى ذلك القرطبيّ.
و"العَرّاف" -بفتح العين المهملة، وتشديد الراء-: من يستخرج الوقوف على المغيَّبات، بضرب من فعل، أو قول، ذَكَر هذا كلّه في "الفتح"(١).
(١) "الفتح" ١٣/ ١٩٠ - ١٩١، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٦٢).