للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المنتسبين للفقه والدِّين، فجاؤوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين، فبهرجوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال، فحصلوا من أقوالهم على السَّراب، والآل (١)، ومن أديانهم على الفساد، والضلال. انتهى (٢).

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- مجيبًا عن سؤاله ("فَلَا تَأْتُوا الْكُهَّانَ") هذا النهي للتحريم، قال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: إنما نُهِيَ عن إتيان الكُهّان لأنهم قد يتكلمون في مُغَيَّبات قد يُصادف بعضها الإصابة، فيُخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يُلَبِّسُون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع.

وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكُهّان، وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يُعْطَون من الْحُلْوان، وهو حرام بإجماع المسلمين، وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة، منهم أبو محمد البغويّ -رحمهم الله تعالى-.

قال البغويّ: اتَّفَقَ أهل العلم على تحريم حُلْوان الكاهن، وهو ما أَخذه المتكهِّن على كِهانته؛ لأن فعل الكِهانة باطل، لا يجوز أخذ الأجرة عليه، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في "كتاب الصلاة".

(قَالَ) معاوية بن الحكم -رضي الله عنه- (قُلْتُ: كُنَّا نَتَطَيَّرُ)؛ أي: نتشاءم بالطيور، يقال: تطيّر من المشيء، واطّيّر منه، والاسم: الطِّيَرة، وزانُ عِنَبَة، وهي التشاؤم، وتقدّم البحث في هذا قريبًا. (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("ذَاكَ) إشارة إلى التطيّر المفهوم من "نتطيّر(شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ)؛ أي: ليس له أصلٌ يُستنَد إليه، ولا له بُرهان يُعتمَد عليه، ولا هو في كتاب منزل من عند الله تعالى، وقيل: معناه: أنه معفُوّ عنه؛ لأنه يوجد في النفس بلا اختيار، نَعَم المشي على وفقه منهيّ عنه، فلذا قال: (فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ" أي: لا يمنعنّكم عما أنتم فيه.

وقال النوويّ رحمه الله: معناه: أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة، ولكن لا تلتفتوا إليه، ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا، وقد صحّ عن عروة بن عامر الصحابيّ -رضي الله عنه- قال: ذُكِرت الطِّيَرَة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أحْسَنُها الفأل، ولا تَرُدُّ مسلمًا، فإذا رأى أحدكم ما يَكره، فليقل: اللهم لا


(١) الآل: السّرَابُ.
(٢) "المفهم" ٥/ ٦٣٢ - ٦٣٣.