وقوله:(وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ)؛ أي: يستعملون خطًّا معروفًا عندهم يدّعون به التوصّل إلى معرفة النجاح والخيبة في قضاء الحاجة.
وقال في "النهاية": قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الخط": هو الذي يَخُطُّه الحازي، وهو عِلْم قد تركه الناس، يأتي صاحب الحاجة إلى الحازي، فيُعطيه حُلْوانًا، فيقول له: اقعُد حتى أَخُطّ لك، وبين يدي الحازي غلام له، معه مِيلٌ له، ثم يأتي إلى أرض رِخْوَة، فيخط الأستاذ خطوطًا كثيرة بالعجلة؛ لئلا يلحقها العدد، ثم يرجع فيمحو منها على مَهَلٍ خطين خطين، فإن بقي من الخطوط خطان، فهما علامة قضاء الحاجة والنُّجْح، قال: والحازي يمحو، وغلامه يقول للتفاؤل: ابْنَيِ عِيَان أَسْرِعَا البيان، قال ابن عباس: فإذا محا الحازي الخطوط، فبقي منها خط واحد، فهي علامة الخيبة في قضاء الحاجة.
قال: وكانت العرب تُسَمِّي ذلك الخط الذي يبقى من خطوط الحازي الأَسْحَم، وكان هذا الخط عندهم مشؤومًا (١)، وتقدّم تمام البحث في هذا في "كتاب المساجد ومواضع الصلاة"، فراجعه تستفد.
وقوله:(كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ) قيل: المراد به إدريس، وقيل: دانيال.
(يَخُطُّ) بالبناء للفاعل، من باب نصر؛ أي: يستعمل الخطّ معجزةً له.
وقوله:(فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ) يَحْتمل الرفع على الفاعليّة، والمفعول محذوفٌ، والنصب على المفعوليّة، والفاعل الضمير المستتر في "وافق" يعود إلى النبيّ على حذف مضاف؛ أي: خطّ ذلك النبيّ؛ يعني: أن من وافق من الناس خطُّهُ خطّ ذلك النبيّ (فَذَاكَ) خبر مبتدأ محذوف، واختُلف في تقديره، فقيل: فذاك مباحٌ، وقيل: فذاك الذي تجدون إصابته فيما يقول، والجملة جواب الشرط.
وقال في "المنهل": قوله: "فذاك"؛ أي: فهو مُصيبٌ، وعالمٌ مثل ذلك النبيّ، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقينيّ بالموافقة، وامتَنَعت الموافقة؛ لأن خطّه كان معجزةً، ولأنه كان يَعرِف بالفراسة بواسطة تلك الخطوط، فلا يُلْحَق به أحدٌ من غير الأنبياء في صفة ذلك الخطّ؛ لقوّة فراسته، وكمال علمه