للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "فنحن نأخذها من فيه رطبة" أي: مُستطابة، سهلة كالثمرة الرَّطبة، السهلة الجنَى. وقيل: معناه أي: نتلقاها لنسمعها منه لأول نزولها، كالشيء الرَّطب في أول أحواله. والأول أوقع تشبيهًا، ويدلّ عليه: قوله - صلى الله عليه وسلم - الخوارج: "يقرؤن القرآن رطبًا، لا يجاوز حناجرهم"؛ أي: يستطيبون تلاوته، ولا يفهمون معانيه. انتهى (١).

(إِذْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ) "إذ" هي الفجائيّة؛ أي: ففاجأنا خروج حيّة، (فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("اقْتُلُوهَا") فيه جواز قتل الحيّة للمُحْرم، وفي الحَرَم. (فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا)؛ أي: أسرعنا إلى قتلها، وهو مِن بدرتُ إلى الشيء أبدُر بُدُورًا، من باب قَعَد: أسرعت، وكذلك بادرت إليه، ويقال: ابتدروا السلاح؛ أي: تسارعوا إلى أخذه (٢). (فَسَبَقَتْنَا)؛ أي: دخلت جُحْرها قبل أن نقتلها، (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَقَاهَا اللهُ شَرَّكُمْ، كَمَا وَقَاكُمْ شَرَّهَا) " بنصب "شرّ" في الموضعين؛ لأنه مفعولٌ ثانٍ لـ "وقى"؛ أي: إن الله تعالى سلّمها منكم، كما سلّمكم منها، وهو من مجاز المقابلة، قاله في "الفتح": وقال في موضع آخر: قوله: "وُقِيَت شرَّكم، ووُقِيْتُم شرَّها"؛ أي: قَتْلكم إياها، وهو شرّ بالنسبة إليها، وإن كان خيرًا بالنسبة إليهم. انتهى (٣).

وقال في "العمدة": فإن قلت: كان قَتْلهم لها خيرًا؛ لأنه مأمور به.

قلت: هو شرّ بالنسبة إليها، والخيور والشرور من الأمور الإضافية. انتهى (٤)، والله تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.

[تنبيه]: للإمام الدارقطنيّ - رحمه الله - كلام في طرُق حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا، ودونك نصّه:


(١) "المفهم" ٥/ ٥٣٥.
(٢) "عمدة القاري" ١٠/ ١٨٤.
(٣) "الفتح" ٥/ ١٠٩، كتاب "جزاء الصيد" رقم (١٨٣٠) و ٧/ ٥٩٥، كتاب "بدء الخلق" رقم (٣٣١٧).
(٤) "عمدة القاري" ١٥/ ١٩٧.