في نفوسهم، كما نقل منه أئمتنا الكثير في كُتُب معجزات النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك: قد وقع لكثير مِمَّن أكرمه الله تعالى من الأولياء مثلُ ذلك في غير ما قضيةٍ، وإيَّاه عنى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"إن في أمَّتي محدَّثين، وإنَّ عُمَرَ منهم". انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
٣ - (ومنها): ما قيل: أنه استُدِلّ بهذا الحديث على جواز إحراق الحيوان المؤذي بالنار، من جهة أن شَرْع من قبلنا شرع لنا، إذا لم يأت في شرعنا ما يرفعه، ولا سيما إن وَرَدَ على لسان الشارع ما يُشعر باستحسان ذلك، لكن ورد في شرعنا النهي عن التعذيب بالنار، قال النوويّ: هذا الحديث محمول على أنه كان جائزًا في شرع ذلك النبيّ جواز قتل النمل، وجواز التعذيب بالنار، فإنه لم يقع عليه الْعَتْب في أصل القتل، ولا في الإحراق، بل في الزيادة على النملة الواحدة، وأما في شرعنا فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار، إلا في القصاص بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في "السنن": أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن قتل النملة، والنحلة. انتهى.
وقد قيَّد غيره كالخطابيّ النهي عن قتل النمل بالسليمانيّ، وقال البغويّ: النمل الصغير الذي يقال له الذرّ يجوز قتله، ونقله صاحب "الاستقصاء" عن الصيمريّ، وبه جزم الخطابيّ، وفي قوله: إن القتل، والإحراق كان جائزًا في شرع ذلك النبيّ نظرٌ؛ لأنه لو كان كذلك لم يعاتَب أصلًا، ورأسًا، إذا ثبت أن الأذى طَبْعه.
وقال عياض: في هذا الحديث دلالة على جواز قتل كل مؤذٍ، ويقال: إن لهذه القصة سببًا، وهو أن هذا النبيّ مَرَّ على قرية، أهلكها الله تعالى بذنوب أهلها، فوقف متعجبًا، فقال: يا رب قد كان فيهم صبيان، ودوابّ، ومن لم يقترف ذنبًا، ثم نزل تحت شجرة، فَجَرَت له هذه القصة، فنبّهه الله جلّ وعَلا على أن الجنس المؤذي يُقْتَل، وإن لم يؤذِ، وتُقتل أولاده، وإن لم تبلغ الأذى. انتهى.
قال الحافظ: وهذا هو الظاهر، وإن ثبتت هذه القصة تَعَيَّن المصير إليه،