للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: ٣٨]) قال أبو سليمان الخطّابيّ رحمه الله: إن أهل التفسير، وأصحاب المعاني قالوا فيه قولين، قال بعضهم: معناه أي لأجلٍ قُدّر لها؛ يعني: انقطاع مدّة بقاء العالم، وقال بعضهم: مُستقرّها غاية ما تنتهي إليه في صعودها وارتفاعها لأطول يوم في الصيف، ثم تأخذ حتى تنتهي إلى أقصى مشارق الشتاء لأقصر يوم في السنة.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: " مستقرّها تحت العرش" فلا ننكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا نُدركه، ولا نشاهده، وإنما أخبر عن غيب، فلا نكذّب به، ولا نكيّفه؛ لأن علمنا لا يُحيط به، ويحتمل أن يكون المعنى: أن علمَ ما سألت عنه من مستقرّها تحت العرش في كتاب كُتب فيه مبادئ أمور العالم، ونهاياتها، والوقت الذي تنتهي به مدّتها، فينقطع دوران الشمس، وتستقرّ عند ذلك، فيبطل فعلها، وهو اللوح المحفوظ.

قال الجامع عفا الله عنه: بُعد هذا الاحتمال عن سياق الحديث مما لا يخفى على الفطن؛ فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال الخطابيّ أيضًا: وفي هذا إخبار عن سجود الشمس تحت العرش، فلا يُنكر أن يكون ذلك عند محاذاتها العرش في مسيرها، وليس في سجودها تحت العرش ما يَعُوقها عن الدأب في سيرها، والتصرّف لما سُخّرت له.

وأما قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} الآية [الكهف: ٨٦]، فهو نهاية مُدرَك البصر إياها حالة الغروب، ومصيرها تحت العرش للسجود إنما هو بعد الغروب، وليس معنى قوله: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: ٨٦] أنها تسقط في تلك العين فتغمُرها، وإنما هو خبر عن الغاية التي بلغها ذو القرنين في مسيره حتى لم يجد وراءها مسلكًا، فوجد الشمس تتدلّى عند غروبها فوق هذه العين، وكذلك يتراءى غروب الشمس لمن كان في البحر، وهو لا يرى الساحل، كأنها تغيب في البحر، والله أعلم.

وقوله سبحانه وتعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥)} [الرحمن: ٥]، وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: ٩٦]؛ أي: يجريان بحساب معلوم، وعلى منازل ومقادير لا يُجاوزانها، قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩)} [يس: ٣٩]، وقيل: حسبان جمع حساب، وقوله سبحانه وتعالى: