تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنَّها تُعتِم بحلاب الإبل"، قال: "وتقول الأعراب: هي العتمة"، فمعنى هذا - والله أعلم -: أن تسمية هذه الصلاة بالعشاء أَولى من تسميتها بالعتمة، لا أن إطلاق اسم العتمة عليها ممنوع، فإنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق عليها اسم العتمة لَمّا قال: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا"، والله تعالى أعلم. انتهى (١).
٢ - (ومنها): بيان سبب النهي عن ذلك، وهو أن هذا الوصف الشريف لا يليق أن يسمى به إلا قلب المؤمن؛ لِمَا جمع من الإيمان، والإخلاص، والتقوى والورع، وغيرها من الصفات الحميدة، قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة - رحمه الله - ما ملخَّصه: لمّا كان اشتقاق الكَرْم من الكَرَم، والأرض الكريمة هي أحسن الأرض، فلا يليق أن يعبَّر بهذه الصفة إلا عن قلب المؤمن الذي هو خير الأشياء، لأن المؤمن خير الحيوان، وخير ما فيه قَلْبه؛ لأنه إذا صلح صلح الجسد كله، وهو أرض لنبات شجرة الإيمان.
٣ - (ومنها): ما قاله ابن بطّال - رحمه الله -: يؤخذ من هذا الحديث ترك المبالغة، والإغراق في الوصف، إذا كان الموصوف لا يستحقّ ذلك.
٤ - (ومنها): ما قال الشيخ ابن أبي جمرة - رحمه الله -: يؤخذ من الحديث أن كل خير باللفظ، أو المعنى، أو بهما، أو مشتقًّا منه، أو مسمى به إنما يضاف بالحقيقة الشرعية للإيمان وأهله، وإن أضيف إلى ما عدا ذلك، فهو بطريق المجاز.
٥ - (ومنها): ما قاله أيضًا: في تشبيه الكرم بقلب المؤمن معنى لطيفٌ؛ لأن أوصاف الشيطان تجري مع الكَرْمة كما يجري الشيطان في بني آدم مجرى الدم، فإذا غفل المؤمن عن شيطانه، أوقعه في المخالفة، كما أن من غفل عن عصير كَرْمه تخمَّر، فتنجَّس، ويقوّي التشبهَ أيضًا أن الخمر يعود خلًا من ساعته بنفسه، أو بالتخليل، فيعود طاهرًا، وكذا المؤمن يعود من ساعته بالتوبة