للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكذلك نهي غيره، فلا يقول له أحد: ربك، ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه، فإنه قد يقول لعبده: أسق ربك، فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه، والسبب في النهي أن حقيقة الربوبية لله تعالى؛ لأن الرب هو المالك، والقائم بالشيء، فلا توجد حقيقة ذلك إلا لله تعالى.

قال الخطابيّ - رحمه الله - (١): سبب المنع أن الإنسان مربوبٌ، متعبدٌ بإخلاص التوحيد لله تعالى، وتَرْك الإشراك معه، فكَرِه له المضاهاة في الاسم؛ لئلا يدخل في معنى الشرك، ولا فرق في ذلك بين الحرّ والعبد، فأما ما لا تعبّد عليه من سائر الحيوانات، والجمادات، فلا يُكره إطلاق ذلك عليه عند الإضافة، كقوله: رب الدار، ورب الثوب.

وقال ابن بطال - رحمه الله -: لا يجوز أن يقال لأحد غيرِ الله تعالى: ربّ، كما لا يجوز أن يقال له: إله. انتهى.

والذي يختصّ بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة، أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه، كما في قوله تعالى حكايةً عن يوسف - عليه السلام -: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢]، وقوله: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في أشراط الساعة: "أن تلد الأمة ربها"، فدلّ على أن النهي في ذلك محمول على الإطلاق.

ويَحْتَمِل أن يكون النهي للتنزيه، وما ورد من ذلك فلبيان الجواز، وقيل: هو مخصوص بغير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يَرِد ما في القرآن، أو المراد: النهي عن الإكثار من ذلك، واتخاذ استعمال هذه اللفظة عادةً، وليس المراد النهي عن ذِكرها في الجملة. انتهى (٢).

(وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: رَبِّي، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي، مَوْلَايَ) ووقع في بعض النسخ": "ومولاي" بالعطف، وفيه جواز إطلاق العبد على مالكه: سيدي، قال القرطبيّ وغيره: إنما فَرَّق بين الرب والسيد؛ لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقًا، واختُلف في السيد، ولم يَرِدْ في القرآن أنه من أسماء الله تعالى، فإن قلنا: إنه


(١) "الأعلام" ٢/ ١٢٧٢.
(٢) "الفتح" ٦/ ٣٨٥ - ٣٨٦، كتاب "العتق" رقم (٢٥٥٢).