أن فاعل ذلك عاصٍ لله، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا معنى لِمَا خالف ذلك، وكلُّ من خالف السُّنَّة فمحجوج بها، والحقّ في اتباعها، والضلالُ فيما خالفها، إلا أنه يَحْمِل اللعب بالنرد المنهيّ عنه على وجه القمار، وحَمْل ذلك على العموم قمارًا، أو غير قمار أَوْلى، وأحوط -إن شاء الله-.
قال: وأما الشطرنج فاختلاف أهل العلم في اللعب بها على غير اختلافهم في اللعب بالنرد؛ لأن كثيرًا منهم أجاز اللعب بالشطرنج ما لم يكن قمارًا، منهم: سعيد بن المسيِّب، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير، وابنه هشمام، وسليمان بن يسار، وأبو وائل، والشعبيّ، والحسن البصريّ، وعليّ بن الحسين بن عليّ، وجعفر بن محمد، وابن شهاب، وربيعة، وعطاء، كلُّ هؤلاء يجيز اللعب بها على غير قمار، وقد رُوي عن سعيد بن المسيب في الشطرنج أنها مَيْسِر، وهذا محمول عندنا على القمار؛ لئلا تتعارض الروايات عنه، ولا يختلف العلماء في أن المقامرة عليها، وأكل الخطر بها لا يحلّ، وأنه من المَيْسِر المحرَّم، وفاعل ذلك المشهور به سفيه، لا تجوز شهادته.
قال: وتحصيل مذهب مالك، وجمهور الفقهاء في الشطرنج، إن من لم يقامر بها، ولَعِب مع أهله في بيته، مستترًا به مرّة في الشهر، أو العام لا يُطَّلَع عليه، ولا يُعْلَم به أنه معفوّ عنه، غير محرّم عليه، ولا مكروه له، وأنه إن تخلّع به، واستهتر فيه، سقطت مروءته، وعدالته، ورُدّت شهادته، وهو يدلك على أنه ليس بمحرم لنفسه وعينه؛ لأنه لو كان كذلك لاستوى قليله وكثيره في تحريمه، وليس بمضطرّ إليه، ولا مما لا يُنْفَكّ عنه، فيعفى عن اليسير منه. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره الأمام ابن عبد البرّ رحمه الله في هذه المسألة تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.
وخلاصته أن القول بتحريم اللعب بالنرد هو الصحيح؛ لظهور أدلّته، ولا سيّما لفظ:"فقد عصى الله، ورسوله"، فانه صريح في كونه حرامًا، وهذا يشمل