للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ رحمه الله: الرؤيا: مصدر رأى في المنام رؤيا، على وزن فُعْلى، وألفه للتأنيث؛ ولذلك لم ينصرف، والرؤية: مصدر رأى بعينه في اليقظة رؤية، هذا المعروف من لسان العرب، وقال بعض العلماء: إن الرؤيا قد تجيء بمعنى الرؤية؛ وحَمَل عليه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} الآية [الإسراء: ٦٠]، وقال: إنما يعني بها: رؤية النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الإسراء لَمّا أراه الله من عجائب السماوات، والملكوت، وكان الإسراء من أوله إلى آخره في اليقظة، وقد ذكرنا هذا في "باب الإسراء" من "كتاب الإيمان". انتهى (١).

وقوله: (أعْرَى مِنْهَا) -بضم الهمزة، وإسكان العين، وفتح الراء- أي: أُحَمّ؛ لخوفي من ظاهرها في معرفتي، قال أهل اللغة: يقال: عُرِي الرجلُ بضم العين، وتخفيف الراء، يُعْرَى: إذا أصابه عُرَاء، بضم العين، وبالمدّ، وهو نفض الْحُمَّى، وقيل: رِعْدَةٌ (٢). (غَيْرَ أَنِّي لَا أُزَمَّلُ) بضمّ أوله، وتشديد الميم، مبنيًّا للمفعول؛ أي: لا أغطَّى، ولا أُلَفّ كالمحموم، (حَتَّى لَقِيتُ أَبما قَتَادَةَ) الأنصاريّ -رضي الله عنه- (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ)؛ أي: الذي يصيبه من رؤيا تسوؤه، وتشتدّ عليه، وفي رواية عبد ربّه، عن أبي سلمة الآتية: "إن كنت لأرى الرؤيا تُمرضني، قال: فلقيت أبا قتادة، فقال: وأنا كنت لأرى الرؤيا، فتُمرضني، حتى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول … ". (فَقَالَ) أبو قتادة -رضي الله عنه- (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "الرُّؤْيَا) قال النوويّ: الرؤيا مقصورة، مهموزةٌ، ويجوز ترك همزها؛ كنظائرها. (مِنَ اللهِ)؛ أي: بشرى من الله، أو تحذير وإنذار، وقال في "العمدة": إضافة الرؤيا إلى الله للتشريف، كما في قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (١٣)} [الشمس: ١٣]، والرؤيا المضافة إلى الله لا يقال لها: حُلُم، والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها: رؤبا، وهذا تصرّف شرفي، وإلا فالكل يسمى رؤيا. انتهى (٣).

وقال المازريّ: الرؤيا اسم للمحبوب، والحُلُم اسم للمكروه، وقال غيره: أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله إضافة تشريف، بخلاف المكروهة، وإن


(١) "المفهم" ٥/ ٦ - ٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ١٦.
(٣) "عمدة القاري" ٢٤/ ١٣٢.