للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح"، وربما جاء في الحديث: "الرؤيا الصالحة" فقط، وربما جاء في الحديث أيضًا: "رؤيا المؤمن" فقط، وربما جاء: "يراها الرجل الصالح، أو تُرى له"؛ يعني: من صالح وغير صالح، وهي ألفاظ المحدِّثين، والله أعلم بها، والمعنى عندي في ذلك على نحو ما ظهر لي في الأجزاء المختلفة من النبوة، والرؤيا إذا لم تكن من الأضغاث، والأهاويل، فهي الرؤيا الصادقة، وقد تكون الرؤيا الصادقة من الكافر، ومن الفاسق؛ كرؤيا الملِك التي فسَّرها يوسف -صلى الله عليه وسلم-، ورؤيا الفَتَيَيْن في السجن، ورؤيا بختنصر التي فسَّرها دانيال في ذهاب مُلكه، ورؤيا كسرى في ظهور النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ورؤيا عاتكة عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر النبىّ -صلى الله عليه وسلم-، ومثل هذا كثير، وقد قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرؤيا أقسامًا تغني عن قول كل قائل، ثم أخرج بسنده حديث عوف بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرؤيا ثلاثة: منها أهاويل الشيطان؛ ليحزن ابن آدم، ومنها ما يَهُمّ به في يقظته، فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة". انتهى (١).

٢ - (ومنها): بيان آداب من رآى ما يكرهه، وهو أن ينفث عن يساره ثلاثًا، ويتعوّذ بالله من شرها، فإنها لا تضرّه.

٣ - (ومنها): بيان عداوة الشيطان للإنسان في كلّ أحواله، في يقظته، ومنامه، فلا يتركه في أيّ حال من الأحوال إلا يتعرّض لأذيّته، وأنه لا ملجأ ولا منجى له إلا بالالتجاء إلى الله، والتحصّن بذكره، فإنه الكافي عبدَه، فقد وعد بذلك حيث قال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)} [الإسراء: ٦٥].

٤ - (ومنها): بيان آداب الرؤيا الصالحة، وهي ثلاثة أشياء: أن يحمد الله تعالى عليها، وأن يستبشر بها، وأن يتحدث بها، لكن لمن يُحِبّ دون من يكره.

٥ - (ومنها): أنه استُدِلّ بقوله: "ولا يذكرها" على أن الرؤيا تقع على ما يُعَبَّر به، وسيأتي تمام البحث في ذلك -إن شاء الله تعالى-.


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١/ ٢٨٦.