تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)} [النحل: ٩٨، ٩٩]، فيحتاج مع الاستعاذة إلى صحة التوجه، ولا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان.
وقال القرطبيّ في "المفهم": الصلاة تجمع ذلك كله؛ لأنه إذا قام، فصلى تحوّل عن جَنْبه، وبصق، ونفث عند المضمضة في الوضوء، واستعاذ قبل القراءة، ثم دعا الله في أقرب الأحوال إليه، فيكفيه الله شرها بمنه وكرمه.
وورد في صفة التعوذ من شرّ الرؤيا أثر صحيح، أخرجه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، بأسانيد صحيحة، عن إبراهيم النخعيّ قال:"إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره، فليقل إذا استيقظ: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله، ورسله، من شرّ رؤياي هذه، أن يصيبني فيها ما أكره في ديني، ودنياي".
وورد في الاستعاذة من التهويل في المنام ما أخرجه مالك، قال:"بلغني أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله إني أُرَؤَع في المنام، فقال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر غضبه، وعذابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون"، وأخرجه النسائيّ من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، قال: كان خالد بن الوليد يفزع في منامه، فذكر نحوه، وزاد في أوله:"إذا اضطجعت، فقل: باسم الله … "، فذكره، وأصله عند أبي داود، والترمذيّ، وحسّنه، والحاكم، وصححه.
واستثنى الداوديّ من عموم قوله:"إذا رأى ما يكره" ما يكون في الرؤيا الصادقة؛ لكونها قد تقع إنذارًا، كما تقع تبشيرًا، وفي الإنذار نوعُ ما يكرهه الرائي، فلا يُشْرَع إذا عُرف أنها صادقة ما ذَكَره من الاستعاذة، ونحوها، واستند إلى ما ورد من مرائي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ كالبقر التي تُنحر، ونحو ذلك.
ويمكن أن يقال: لا يلزم من ترك الاستعاذة في الصادقة، أن لا يتحول عن جنبه، ولا أن لا يصلي، فقد يكون ذلك سببًا لدفع مكروه الإنذار، مع حصول مقصود الإنذار، وأيضًا فالمنذورة قد ترجع إلى معنى المبشِّرة؛ لأن من أُنذِر بما سيقع له، ولو كان لا يسرّه أحسن حالًا ممن هُجِم عليه ذلك، فوإنه ينزعج ما لا ينزعج من كان يعلم بوقوعه، فيكون ذلك تخفيفًا عنه، ورفقًا به.