وخلاصة القول: أن من رأى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على غير صفته؛ كأن يراه أعرج، أو أعمى، أو قصيرًا، أو شيخًا كبيرًا، أو نحو ذلك، فإنه يعود ذلك إلى دِين الرائي، ومقدار بُعده عن سُنَّته -صلى الله عليه وسلم-، فيكون ذلك من باب التنبيه له، فينبغي أن يبحث عن سبب ذلك، مِنْ تَرْك بعض سُننه -صلى الله عليه وسلم-، أو نحو ذلك، فيتوب إلى الله سبحانه وتعالى، والله تعالى أعلم بالصواب.
[تنبيه]: جَوّز أهل التعبير رؤية الباري -عزّ وجلّ- في المنام مطلقًا، ولم يُجْرُوا فيها الخلاف في رؤيا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها، فتارةً يُعْبَر بالسلطان، وتارةً بالوالد، وتارةً بالسيد، وتارةً بالرئيس، في أي فنّ كان، فلما كان الوقوف على حقيقة ذاته ممتنعًا، وجميع من يَعْبُر به يجوز عليهم الصدق والكذب، كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائمًا، بخلاف النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإذا رؤي على صفته المتفق عليها، وهو لا يجوز عليه الكذب كانت في هذه الحالة حقًّا محضًا، لا يحتاج إلى تعبير.
وقال الغزاليّ: ليس معنى قوله: "رآني" أنه رأى جسمي، وبدني، وإنما المراد أنه رأى مثالًا صار ذلك المثال آلةً يتأدى بها المعنى الذي في نفسي إليه، وكذلك: قوله: "فسيراني في اليقظة"، ليس المراد أنه يرى جسمي وبدني، قال: والآلة تارةً تكون حقيقيةً وتارةً تكون خياليةً، والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولا شخصه، بل هو مثال له على التحقيق، قال: ومثل ذلك من يرى الله -سبحانه وتعالى- في المنام، فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس، من نور، أو غيره، ويكون ذلك المثال حقًّا في كونه واسطة في التعريف، فيقول الرائي: رأيت الله تعالى في المنام، لا يعني: أني رأيت ذات الله تعالى، كما يقول في حقّ غيره.
قال الجامع عفا الله عنه: قول الغزالي: "ليس هو روح المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، ولا شخصه"، فيه نظر لا يخفى، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قد أثبت أنه رآه حقيقة، فكيف يقال: ليس شخصه؟ ومن الغريب تشبيهه برؤية الله تعالى، فرؤية الله تعالى لم يَرِدْ بها نصّ، حتى يقاس عليها.
والحاصل: أن رؤيته -صلى الله عليه وسلم- رؤية حقيقيّة على ظاهرها، لا تمثيل،