للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من الإقامة، يقال: أقام الصلاة: أدامها (١)، والمعنى: أنه يديم (لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا)؛ بمعنى: أنها وأهل بيتها، لا يحتاجون إلى أُدُم غيره، ووقع في بعض النسخ: "أُدُم بنيها". (حَتَّى عَصَرَتْهُ)؛ أي: استخرجت ما فيه من السمن، يقال: عَصَرتُ العنب ونحوه عَصْرًا، من باب ضرب: استخرجتُ ماءه، واعتصرته كذلك (٢). (فَأَتَت) المرأة (النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-)، وقوله: (فَقَالَ) معطوف على محذوف؛ أي: فأخبرته الخبر، فقال: ("عَصَرْتِيهَا؟ ") بتقدير همزة الاستفهام؛ أي: أعصرتيها؟.

[تنبيه]: قوله: "عصرتيها" هكذا النسخ بإثبات الياء بعد تاء المخاطبة، وكذا في قوله: "تركتيها"، وتقدّم أنه لغة، والجادّة حذفها، كما لا يخفى على من له إلمام بعلم النحو، والله تعالى أعلم.

(قَالَت) المرأة (نَعَمْ) عَصَرْتُها، (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ) السمن (قَائِمًا" أي: ثابتًا لديكم لا تحتاجون إلى غيره.

قال في "الفتح": قد استُشْكِل هذا النهي مع الأمر بكيل الطعام، وترتيب البركة على ذلك، ففي حديث المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه- مرفوعًا: "كِيلوا طعامكم يبارَك لكم فيه"، رواه البخاريّ.

وأجيب: بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلّق حقّ المتبايعين، فلهذا القصد يُندب، وأما الكيل عند الإنفاق، فقد يَبعث عليه الشحّ، فلذلك كُرِه، ويؤيده ما أخرجه مسلم بعد هذا من قصّة الرجل الذي استطعم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه، وامرأته، وضيفهما، حتى كاله، فأتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "لو لم تَكِلْه لأكلتم منه، ولقام لكم". انتهى.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله في حديث المرأة: إنها حين عصرت العُكّة ذهبت بركة السمن، وفي حديث الرجل: حين كال الشعير فَنِي، ومثله حديث عائشة -رضي الله عنها-: حين كالت الشعير ففني، قال العلماء: الحكمة في ذلك أن عَصْرَها، وكَيْله مضادّة للتسليم، والتوكل على رزق الله تعالى، ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوّة، وتكلّف للإحاطة بأسرار حِكَم الله تعالى وفَضْله، فعوقب فاعله بزواله. انتهى، والله تعالى أعلم.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٢٠ - ٥٢١.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٤١٣.