يا محمد، كيف يأتيك الذي يأتيك؟ قال:"يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر"، قال ابن عساكر: لم يسمع ابن عباس من ورقة، ولا أعرف أحدًا قال: إنه أسلم، وقد غاير الطبريّ بين صاحب هذا الحديث، وبين ورقة بن نوفل الأسديّ، لكن القصة مغايرة لقصة ورقة التي في "الصحيحين"؛ يعني حديث الباب، وفي آخره:"ولم يَنشَب ورقة أن تُوفّي"، فهذا ظاهره أنه أقرّ بنبوته، ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى الإسلام، فيكون مثل بَحِيرا.
وفي إثبات الصحبة له نظر، لكن في زيادات المغازي من رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق، قال يونس بن بُكير، عن يونس بن عمرو - وهو ابن أبي إسحاق السبيعيّ - عن أبيه، عن جدّه، عن أبي مَيْسَرة، واسمه عمرو بن شُرَحبيل، وهو من كبار التابعين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لخديجة:"إني إذا خلوت وحدي سمعت نداءً، فقد والله خشيت على نفسي، فقالت: معاذ الله، ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة … " الحديث، فقال له ورقة:"أبشر، ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بَشَّر به ابن مريم، وأنك على مثل ناموس موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، وإن يدركني ذلك لأجاهدنّ معك"، فلما تُوُفّي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأيت القُسّ في الجنة، عليه ثياب الحرير؛ لأنه آمن بي، وصدقني".
وقد أخرجه البيهقي في "الدلائل" من هذا الوجه، وقال: هذا منقطع.
قال الحافظ: يَعْضِده ما أخرجه الزبير بن بكار، حدثنا عثمان، عن الضحاك بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، قال: كان بلال لجارية من بَنِي جُمَح، وكانوا يعذِّبونه برمضاء مكة، يُلْصِقون ظهره بالرمضاء؛ لكي يُشْرِك، فيقول: أَحَدٌ أَحَدٌ، فيمر به ورقة، وهو على تلك الحال، فيقول: أحد أحد يا بلال، والله لئن قتلتموه، لأتخذنه حنانًا. وهذا مرسلٌ جَيِّدٌ، يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام، حتى أسلم بلال.
والجمع بين هذا وبين حديث عائشة أن يُحْمَل قولها:"ولم يَنْشَب ورقة أن تُوُفّي" أي: قبل أن يشتهر الإسلام، ويؤمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالجهاد.