للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا)؛ أي: في تلك النار، (وَهُوَ)؛ أي: الرجل (يَذُبُّهُنَّ)؛ أي: يمنعهنّ (عَنْهَا)؛ أي: عن الوقوع فيها، (وَأَنَا آخِذٌ) تقدّم أنه ضُبط بوجهين: بصيغة اسم الفاعل، وبصيغة الماضي، (بِحُجَزِكُمْ) بضمّ، ففتح: جمع حُجْزة، بضمّ، فسكون، وهي معقد الإزار، والسراويل، خصه؛ لأن أَخْذَ الوسط أقوى في المنع؛ يعني: أنا آخذكم حتى أُبعدكم عن النار نار جهنم (١). (عَنِ النَّارِ)؛ أي: عن الوقوع فيها، (وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: رُوي بوجهين: أحدهما فتح التاء، والفاء المشدّدة، والثاني ضم التاء، وإسكان الفاء، وكسر اللام المخففة، وكلاهما صحيح، يقال: أفلت مني، وتَفَلَّت: إذا نازعك الغلبة، والهرب، ثم غَلَب، وهَرَب. انتهى (٢).

وقال ابن منظور -رَحِمَهُ اللهُ-: أفلتني الشيءُ، وتفلّت مني، وانفلت، وأفلت فلانٌ فلانًا: خَلّصه، وأفلت الشيءُ، وتفلّت، وانفلت بمعنى، وأفلته غيره، قال: التفلت، والإفلات، والانفلات: التخلص من الشيء فَجْأةً من غير تمكّث، قال: والإفلات يكون بمعنى الانفلات، لازمًا، وقد يكون واقعًا، يقال: أَفْلَتُّهُ من الهلكة؛ أي: خَلَّصته، وأنشد ابن السكيت [من الطويل]:

وَأَفْلَتَنِي مِنْهَا حِمَارِي وَجُبَّتِي … جَزَى اللهُ خَيْرًا جُبَّتِي وَحِمَارِيَا (٣)

وقال في "الفتح": قوله: "تفلتون" بفتح أوله، والفاء، واللام الثقيلة، وأصله: تتفلتون، وبضم أوله، وسكون الفاء، وفتح اللام، ضبطوه بالوجهين، وكلاهما صحيح، تقول: تَفَلّت مني، وأفلت مني لمن كان بيدك، فعالج الْهَرَب منك، حتى هرب، وقد تقدم بيان هذا التمثيل، وحاصله: أنه شَبَّهَ تهافت أصحاب الشهوات في المعاصي التي تكون سببًا في الوقوع في النار بتهافت الفراش بالوقوع في النار اتّباعًا لشهواتها، وشَبَّه ذَبّه العصاةَ عن المعاصي بما حَذَّرهم به، وأنذرهم بذبّ صاحب النار الفراشَ عنها، وقال عياض: شَبَّه تساقط أهل المعاصي في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا. انتهى (٤)، والله تعالى أعلم.


(١) "فيض القدير على الجامع الصغير" للمناويّ ٥/ ٥١٨.
(٢) "شرح النوويّ" ١٥/ ٥٠.
(٣) "لسان العرب" ٢/ ٦٦.
(٤) "الفتح" ١١/ ٣١٩.