للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "ومن شرب لم يظمأ أبدًا"؛ أي: شرب منه، والظمأ مهموز، مقصور كما ورد به القرآن العزيز، وهو العَطَش، يقال: ظَمِئ يَظْمَأ ظَمَأً، فهو ظمآن، وهم ظِماء، بالمدّ؛ كعَطِشَ يَعْطَش عَطَشًا، فهو عَطْشان، وهم عِطَاش، قال القاضي: ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب، والنجاة من النار، فهذا هو الذي لا يظمأ بعده، قال: وقيل: لا يشرب منه إلا من قُدِّر له السلامة من النار، قال: ويَحْتَمِل أن من شرب منه من هذه الأمة، وقُدِّر عليه دخول النار لا يُعَذَّب فيها بالظمأ، بل يكون عذابه بغير ذلك؛ لأن ظاهر هذا الحديث أن جميع الأمة يشرب منه إلا من ارتدّ، وصار كافرًا، قال: وقد قيل: إن جميع الأمم من المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ثم يعذِّب الله تعالى من شاء من عصاتهم، وقيل: إنما يأخذه بيمينه الناجون خاصّةً. قال القاضي: وهذا مثله قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من وَرَدَ شَرِب" هذا صريح في أن الواردين كلهم يشربون، وإنما يُمنع منه الذين يُذادون، ويُمنعون الورود؛ لارتدادهم، وقد سبق في "كتاب الوضوء" بيان هذا الذَّوْد، والْمَذُودين. انتهى (١).

وقال في "الفتح": قوله: "لم يظمأ" قيل: هو كناية عن أنه يدخل الجنة؛ لأنه صفة من يدخلها، وفي حديث أبي سعيد: "إنك لا تدري ما بَدّلوا"، وقع في رواية الكشميهنيّ: "ما أحدثوا"، وحاصل ما حُمِل عليه حال المذكورين أنهم إن كانوا ممن ارتدّ عن الإسلام، فلا إشكال في تبرِّي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منهم، وإبعادهم، وإن كانوا ممن لم يرتدّ، لكن أَحْدَث معصيةً كبيرةً من أعمال البدن، أو بدعة من اعتقاد القلب، فقد أجاب بعضهم بأنه يَحْتَمِل أن يكون أعرض عنهم، ولم يشفع لهم اتِّبَاعًا لأمر الله فيهم، حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لأهل الكبائر من أمته، فيُخْرَجون عند إخراج الموحّدين من النار، والله أعلم. انتهى (٢).

(وَلَيَرِدَنَّ) بنون التوكيد المشدّدة، مضارع ورد، يقال: ورد علينا زيد:


(١) "شرح النوويّ" ١٥/ ٥٤.
(٢) "الفتح" ١٦/ ٤٣٥، كتاب "الفتن" رقم (٧٠٥٠).